Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 7-14)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } قيل : المراد بالسماء هاهنا السُّحُب التي تظل الأرض . وقيل : السماء المرفوعة . ٱبن عمر : هي السماء السابعة ذكره المهدوي والثعلبي والماوردي وغيرهم . وفي « الْحُبُكِ » أقوال سبعة : الأول قال ٱبن عباس وقتادة ومجاهد والربيع : ذات الخَلق الحسن المستوي . وقاله عكرمة قال : ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حَبَك الثوبَ يَحبِكُه بالكسر حَبْكاً أي أجاد نسجه . قال ٱبن الأعرابي : كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد ٱحتبكته . والثاني ذات الزينة قاله الحسن وسعيد بن جبير ، وعن الحسن أيضاً : ذات النجوم وهو الثالث . الرابع قال الضحاك : ذات الطرائق يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حُبُك . ونحوه قول الفراء قال : الحُبُك تَكسُّر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة ، والماء القائم إذا مرت به الريح ، ودرع الحديد لها حُبُك ، والشعرة الجَعْدة تكسّرها حُبُك . وفي حديث الدجَّال . إنّ شعره حُبُك . قال زهير : @ مُكَلَّلٌ بأصولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ رِيحٌ خَرِيقٌ لِضاحِي مائهِ حُبُكُ @@ ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها . الخامس ذات الشدة ، قاله ٱبن زيد ، وقرأ { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } . والمحبوك الشديد الخَلْق من الفرس وغيره ، قال ٱمرؤ القيس : @ قد غَدَا يَحْمِلُني في أنْفِهِ لاَحِقُ الإطْلَيْنِ مَحْبُوكٌ مُمَرْ @@ وقال آخر : @ مَرِجَ الدِّينَ فأَعددتُ لَهُ مُشْرِفَ الحارِكِ مَحْبُوك الْكَتَدْ @@ وفي الحديث : أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدِّرْع في الصلاة أي تشدّ الإزار وتحكمه . السادس ذات الصفّاقة قاله خَصِيف ، ومنه ثوب صفِيق ووجه صفيق بين الصفاقة . السابع أن المراد بالطرق المَجرّة التي في السماء سميت بذلك لأنها كأثر المَجَرّ . و « الْحُبُك » جمع حِباك ، قال الراجز : @ كأنّما جَلَّلها الْحُوَّاكُ طنفسة في وَشْيها حِبَاكُ @@ والحبَاك والحَبِيكة الطريقة في الرّمل ونحوه . وجمع الحِبَاك حُبُك وجمع الحَبِيكة حَبَائك ، والْحَبَكَة مثل العَبَكة وهي الحبّة من السويق ، عن الجوهري . وروي عن الحسن في قوله : « ذَاتِ الْحُبُكِ » « الْحُبْكِ » و « الحِبِكِ » و « الحِبْكِ » . و « الحِبَك والحِبُك وقرأ أيضاً « الْحُبُك » كالجماعة . وروي عن عِكْرمة وأبي مِجْلَز « الحُبك » . و « الحُبُك » واحدتها حَبيكة « والْحبُكْ » مخفّف منه . و « الحِبَك » واحدتها حِبْكة . ومن قرأ « الْحُبَكِ » فالواحدة حُبْكَة كبُرقة وبُرَق أو حُبُكة كظُلُمة وظُلَم . ومن قرأ « الحِبكِ » فهو كإبلِ وإِطِل و « الحِبْك » مخففة منه . ومن قرأ « الحِبُك » فهو شاذ إذ ليس في كلام العرب فِعُلٌ ، وهو محمول على تداخل اللغات ، كأنه كسر الحاء ليكسر الباء ثم تصوّر « الْحُبُك » فضم الباء . وقال جميعه المهدوي . قوله تعالى : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } هذا جواب القسم الذي هو « والسَّمَاءِ » أي إنكم يا أهل مكة « فِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ » في محمد والقرآن فمن مصدّق ومكذّب . وقيل : نزلت في المقتسمين . وقيل : ٱختلافهم قولهم ساحر بل شاعر بل ٱفتراه بل هو مجنون بل هو كاهن بل هو أساطير الأوّلين . وقيل : ٱختلافهم أن منهم من نفى الحشر ومنهم من شك فيه . وقيل : المراد عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره . قوله تعالى : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي يصرف عن الإيمان بمحمد والقرآن من صُرِف عن الحسن وغيره . وقيل : المعنى يُصرَف عن الإيمان من أراده بقولهم هو سحر وكهانة وأساطير الأوّلين . وقيل : المعنى يُصرَف عن ذلك الاختلاف مَن عصمه الله . أَفَكَه يَأْفِكُه أَفْكاً أي قلبه وصرفه عن الشيء ومنه قوله تعالى : { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا } [ الأحقاف : 22 ] . وقال مجاهد : معنى « يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ » يُؤفَن عنه من أُفِن ، والأَفْنَ فساد العقل . الزمخشري : وقرىء « يُؤْفَنُ عَنْهُ مَنْ أُفِنَ » أي يحرمه من حرم من أَفَن الضَّرْعَ إذا أنكهه حَلْباً . وقال قُطْرُب : يُخدَع عنه من خُدِع . وقال اليزيدي : يُدفَع عنه من دُفِع . والمعنى واحد وكله راجع إلى معنى الصرف . قوله تعالى : { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } في التفسير : لُعِن الكذّابون . وقال ٱبن عباس : أي قُتِل المرتابون يعني الكهنة . وقال الحسن : هم الذين يقولون لسنا نبعث . ومعنى « قُتِلَ » أي هؤلاء ممن يجب أن يدعى عليهم بالقتل على أيدي المؤمنين . وقال الفرّاء : معنى « قُتِلَ » لُعِن قال : و « الْخَرَّاصُونَ » الكذابون الذين يتخرّصون بما لا يعلمون فيقولون : إن محمداً مجنون كذّاب ساحر شاعر وهذا دعاء عليهم لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك . قال ٱبن الأنباري : علّمنا الدعاء عليهم أي قولوا : { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } وهو جمع خارص والْخَرْص الكذب والْخَرَّاص الكذّاب ، وقد خَرَص يَخْرُص بالضم خَرْصا أي كَذَب يقال : خَرَص وٱخْتَرص ، وخَلَقَ وٱختلقَ ، وبَشَك وٱبْتَشك ، وسَرَج وٱسْتَرج ، ومان ، بمعنى كذب ، حكاه النحاس . والْخَرْص أيضاً حَزْر ما على النخل من الرطب تمراً . وقد خَرَصتُ النخلَ والاسم الخِرْص بالكسر يقال : كم خِرْص نخلك والخرّاص الذي يخرصها فهو مشترك . وأصل الخُرْص القطع على ما تقدّم بيانه في « الأنعام » ومنه الْخَرِيص للخليج لأنه ينقطع إليه الماء ، والخُرِصُ حبّة القُرْط إذا كانت منفردة لانقطاعها عن أخواتها ، والخُرْص العود لانقطاعه عن نظائره بطيب رائحته . والْخَرِص الذي به جوع وبَرْد لأنه ينقطع به ، يقال : خَرِص الرجلُ بالكسر فهو خَرِص ، أي جائع مقرور ، ولا يقال للجوع بلا برد خَرَص . ويقال للبرد بلا جوع خَرَص . والْخُرْص بالضم والكسر الحلقة من الذهب أو الفضة والجمع الخِرْصان . ويدخل في الْخَرْص قول المنجمين وكل من يدّعي الحَدْس والتخمين . وقال ٱبن عباس : هم المقتسمون الذين ٱقتسموا أعقاب مكة ، وٱقتسموا القول في نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن الإيمان به . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } الغمرة ما ستر الشيء وغطّاه . ومنه نهر غَمْر أي يغْمُر من دخله ، ومن غَمَرات الموت . « سَاهُونَ » أي لاهون غافلون عن أمر الآخرة . قوله تعالى : { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي متى يوم الحساب يقولون ذلك ٱستهزاءً وشَكًّا في القيامة . { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } نصب « يَوْم » على تقدير الجزاء أي هذا الجزاء « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ » أي يُحرَقون ، وهو من قولهم : فتنت الذهب أي أحرقته لتختبره وأصل الفتنة الاختبار . وقيل : إنه مبنيّ بني لإضافته إلى غير متمكن ، وموضعه نصب على التقدير المتقدّم ، أو رفع على البدل من { يَوْمُ ٱلدِّينِ } . وقال الزجاج : يقول يعجبني يومُ أنت قائم ويومُ أنت تقوم ، وإن شئت فتحت وهو في موضع رفع ، فإنما ٱنتصب هذا وهو في المعنى رفع . وقال ٱبن عباس : { يُفْتَنُونَ } يُعذَّبون . ومنه قول الشاعر : @ كلُّ ٱمرِىءٍ من عبادِ اللَّهِ مُضطَهدٌ بِبطنِ مكةَ مقهورٌ ومفتونُ @@ قوله تعالى : { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أي يقال لهم ذوقوا عذابكم قاله ٱبن زيد . مجاهد : حريقكم . ٱبن عباس : أي تكذيبكم يعني جزاءكم . الفرّاء : أي عذابكم { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } في الدنيا . وقال : « هَذَا » ولم يقل هذه لأن الفتنة هنا بمعنى العذاب .