Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 47-49)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أي في حَيْدةٍ عن الحق و « سُعُرٍ » أي ٱحتراق . وقيل : جنون على ما تقدّم في هذه السورة . { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القَدَر فنزلت : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } خرجه الترمذي أيضاً وقال : حديث حسن صحيح . وروى مسلم عن طاوس قال : أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : كل شيء بقَدَر . قال : وسمعت عبد الله بن عمر يقول : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " كلٌّ شيءٍ بقَدر حتى العَجْز والكَيْس أو الكَيْس والعَجْز " وهذا إبطال لمذهب القدَرية . { ذُوقُواْ } أي يقال لهم ذوقوا ، ومسّها ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها . و « سَقَر » ٱسم من أسماء جهنم لا ينصرف لأنه ٱسم مؤنث معرفة ، وكذا لَظَى وجهنم . وقال عطاء : « سَقَر » الطبق السادس من جهنم . وقال قُطْرب : « سَقَر » من سَقَرته الشمسُ وصَقَرته لَوّحَتْه . ويوم مُسَمْقِرٌ ومُصَمْقِرٌ : شديدُ الحرّ . الثانية : قوله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ } قراءة العامة { كُلَّ } بالنصب . وقرأ أبو السَّمَّال « كُلُّ » بالرفع على الابتداء . ومن نصب فبإضمار فعل وهو ٱختيار الكوفيين لأن إنّ تطلب الفعل فهي به أولى ، والنصب أدلّ على العموم في المخلوقات لله تعالى لأنك لو حذفت { خَلَقْنَاهُ } المفسِّر وأظهرت الأوّل لصار إنا خلقنا كلّ شيء بقدر . ولا يصح كون خلقناه صفة لشيء لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف ، ولا تكون تفسيراً لما يعمل فيما قبله . الثالثة : الذي عليه أهل السنة أن الله سبحانه قدّر الأشياء أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه ، فلا يحدث حدث في العالم العلويّ والسفليّ إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه ، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع ٱكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة ، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه ، سبحانه لا إلٰه إلا هو ، ولا خالق غيره كما نص عليه القرآن والسنة ، لا كما قالت القدَريّة وغيرهم من أن الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا . قال أبو ذَرٍّ رضي الله عنه : " قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا فنزلت هذه الآيات إلى قوله : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } فقالوا : يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا ؟ فقال : « أنتم خصماء الله يوم القيامة » " . الرابعة : روى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مجوس هذه الأمة المكذّبون بأقدار الله إن مرِضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم فلا تسلّموا عليهم " خرجه ٱبن ماجه في سننه . وخرج أيضاً عن ٱبن عباس وجابر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أمتي ليس لهم في الإسلام نصيب أهل الإرجاء والقَدَر " وأسند النحاس : وحدّثنا إبراهيم بن شريك الكوفي قال حدّثنا عقبة بن مكرم الضّبي قال حدّثنا يونس بن بكير عن سعيد بن ميسرة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القدَريّة الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم منّي " وفي صحيح مسلم أن ٱبن عمر تبرأ منهم ولا يتبرأ إلا من كافر ، ثم أكد هذا بقوله : والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحُد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقَدَر . وهذا مثل قوله تعالى في المنافقين : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } [ التوبة : 54 ] وهذا واضح . وقال أبو هريرة : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن " .