Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 50-55)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ } أي إلا مرةً واحدة . { كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } أي قضائي في خلْقي أسرع من لمَحْ البصر . واللَّمح النظر بالعَجَلة يقال : لمَحَ البرق ببصره . وفي الصحاح : لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف ، والاسم اللمحة ، ولمَحَ البَرقُ والنجمُ لمَحْاً أي لمَع . قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ } أي أشباهكم في الكفر من الأمم الخالية . وقيل : أتباعكم وأعوانكم . { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أي من يتذكر . قوله تعالى : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } أي جميع ما فعلته الأمم قبلهم من خير أو شر كان مكتوباً عليهم وهذا بيان قوله : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . { فِي ٱلزُّبُرِ } أي في اللوح المحفوظ . وقيل : في كتب الحفظة . وقيل : في أم الكتاب . { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } أي كل ذنب كبير وصغير مكتوب على عامله قبل أن يفعله ليجازى به ، ومكتوب إذا فعله سَطَرَ يَسْطُرُ سَطْراً كَتَب وٱستطَرَ مثله . قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضاً . « وَنَهَرٍ » يعني أنهار الماء والخمر والعسل واللّبن قاله ٱبن جريج . ووحد لأنه رأس الآية ، ثم الواحد قد ينبىء عن الجميع . وقيل : في « نَهَرٍ » في ضياء وسَعة ومنه النهار لضيائه ، ومنه أنهرت الجرح قال الشاعر : @ مَلكتُ بها كَفي فأنهرتُ فَتقَها يَرَى قائمٌ من دونها ما وراءَها @@ وقرأ أبو مِجْلَز وأبو نهيك والأعرج وطلحة بن مصرِّف وقتادة « وَنُهُرٍ » بضمتين كأنه جمع نهار لا ليل لهم كسحاب وسُحُب . قال الفراء : أنشدني بعض العرب : @ إِنْ تَكُ ليليًّا فإنِّي نَهِرُ مَتَى أَرى الصُّبحَ فلا أَنتَظِرُ @@ أي صاحب النهار . وقال آخر : @ لَوْلا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنا بالضُّمُرْ ثَرِيدُ ليْلٍ وثَريدٌ بالنُّهُرْ @@ { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } أي يقدر على ما يشاء . و « عِنْدَ » هاهنا عندية القُربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة . قال الصادق : مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق . وقرأ عثمان البَتِّي « فيِ مَقَاعِدِ صِدْقٍ » بالجمع والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها . قال عبد الله بن بريدة : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى ، فيقرؤون القرآن على ربهم تبارك وتعالى ، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه ، على منابر من الدرّ والياقوت والزبرجد والذّهب والفضَّة بقدر أعمالهم ، فلا تَقَرّ أعينهم بشيء قط كما تَقَرّ بذلك ، ولم يسمعوا شيئاً أعظم ولا أحسن منه ، ثم ينصرفون إلى منازلهم ، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد . وقال ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدان : بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون : يا أولياء الله ٱنطلقوا فيقولون : إلى أين ؟ فيقولون : إلى الجنة فيقول المؤمنون : إنكم تذهبون بنا إلى غير بُغْيتنا . فيقولون : فما بغيتكم ؟ فيقولون : مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقد روي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى ففي الخبر : أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب ، فيقولون للملائكة : إلى أين تحملوننا ؟ فيقولون إلى الجنة . فيقولون : إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا فيقولون : وما بغيتكم ؟ فيقولون : المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } . والله أعلم .