Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 41-56)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } ذكر منازل أهل النار وسماهم أصحاب الشمال ، لأنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم ، ثم عظّم ذكرهم في البلاء والعذاب فقال : { مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } { فِي سَمُومٍ } والسموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن . والمراد هنا حرّ النار ولفحها . { وَحَمِيمٍ } أي ماء حار قد ٱنتهى حره ، إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسادهم فزعوا إلى الحميم ، كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفىء به الحر فيجده حميماً حارًّا في نهاية الحرارة والغليان . وقد مضى في « القتال » { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] . { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } أي يفزعون من السَّموم إلى الظلّ كما يفزع أهل الدنيا فيجدونه ظلاً من يَحْموم أي من دخان جهنم أسود شديد السواد . عن ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما . وكذلك اليَحْموم في اللغة : الشديد السواد وهو يَفْعول من الحَمّ ومن الشَّحْم المسودّ بٱحتراق النار . وقيل : هو مأخوذ من الحُمَم وهو الفحم . وقال الضحاك : النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود . وعن ٱبن عباس أيضاً : النار سوداء . وقال ٱبن زيد : اليَحْموم جبل في جهنم يستغيث إلى ظله أهل النار . { لاَّ بَارِدٍ } بل حار لأنه من دخان شفير جهنم . { وَلاَ كَرِيمٍ } عذب عن الضحاك . وقال سعيد بن المسيّب : ولا حسن منظره ، وكل ما لا خير فيه فليس بكريم . وقيل : « وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ » أي من النار يُعذَّبون بها كقوله تعالى : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أي إنما ٱستحقوا هذه العقوبة لأنهم كانوا في الدنيا متنعمين بالحرام . والمتَرف المنعَّم عن ٱبن عباس وغيره . وقال السديّ : « مُتْرَفِينَ » أي مشركين . { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي يقيمون على الشرك عن الحسن والضحاك وٱبن زيد . وقال قتادة ومجاهد : الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه . الشعبي : هو اليمين الغَمُوس وهي من الكبائر يقال : حَنِث في يمينه أي لم يَبَرَّها ورجع فيها . وكانوا يقسمون أن لا بعث ، وأن الأصنام أنداد الله فذلك حِنْثهم قال الله تعالى مخبراً عنهم : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] . وفي الخبر : كان يَتحنَّث في حِرَاء أي يفعل ما يسقط عن نفسه الْحِنث وهو الذنب . { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا } هذا ٱستبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له فقال الله تعالى : { قُلْ } لهم يا محمد { إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ } من آبائكم { وَٱلآخِرِينَ } منكم { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } يريد يوم القيامة . ومعنى الكلام القسَم ودخول اللام في قوله تعالى : « لَمَجْمُوعُونَ » هو دليل القسم في المعنى أي إنكم لمجموعون قسَماً حقاً خلاف قسمكم الباطل { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ } عن الهدى { ٱلْمُكَذِّبُونَ } بالبعث { لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } وهو شجر كريه المنظر ، كريه الطّعم ، وهي التي ذكرت في سورة { والصافات } [ الصافات : 62 ] . { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } أي من الشجرة لأن المقصود من الشجر شجرة . ويجوز أن تكون « من » الأولى زائدة ، ويجوز أن يكون المفعول محذوفاً كأنه قال : { لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } طعاماً . وقوله : { مِّن زَقُّومٍ } صفة لشجر ، والصفة إذا قدَّرت الجار زائداً نصبت على المعنى ، أو جررتَ على اللفظ ، فإن قدرت المفعول محذوفاً لم تكن الصفة إلا في موضع جر . قوله تعالى : { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } أي على الزقوم أو على الأكل أو على الشجر لأنه يذكر ويؤنث . { مِنَ ٱلْحَمِيمِ } وهو الماء المغليّ الذي قد ٱشتدّ غليانه وهو صديد أهل النار . أي يورثهم حَرَّ ما يأكلون من الزقوم مع الجوع الشديد عطشاً فيشربون ماء يظنون أنه يزيل العطش فيجدونه حميماً مُغْلًى . قوله تعالى : { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } قراءة نافع وعاصم وحمزة « شُرْبَ » بضم الشين . الباقون بفتحها لغتان جيدتان تقول العرب : شَرِبت شُرْباً وشَرْباً وشِرْباً وشُرُباً بضمتين . قال أبو زيد : سمعت العرب تقول بضم الشين وفتحها وكسرها ، والفتح هو المصدر الصحيح لأن كل مصدر من ذوات الثلاثة فأصله فَعْل ، ألاٰ ترى أنك ترده إلى المرة الواحدة فتقول : فَعْلة نحو شَرْبة وبالضم الاسم . وقيل : إن المفتوح والاسم مصدران ، فالشَّرْب كالأكل ، والشُّرب كالذُّكْر ، والشِّرْب بالكسر المشروب كالطِّحْن المطحون . والهِيم الإبل العِطاش التي لا تَرْوى لداء يصيبها عن ٱبن عباس وعِكرمة وقَتادة والسُّديّ وغيرهم وقال عكرمة أيضاً : هي الإبل المِراض . الضحاك : الهيم الإبل يصيبها داء تعطش منه عطشاً شديداً ، واحدها أَهْيَم والأنثى هَيْماء . ويقال لذلك الداء الهُيَام قال قيس بن الملوَّح : @ يقال بِه داء الهُيَامِ أصابه وقد علِمت نفسي مكانَ شِفائِها @@ وقوم هِيم أيضاً أي عِطاش ، وقد هاموا هُيَاماً . ومن العرب من يقول في الإبل : هائم وهائمة والجمع هيم قال لَبِيد : @ أَجَزْتُ إِلى معارِفِها بِشُعْثٍ وأَطْلاَحٍ مِن العِيدِيِّ هِيم @@ وقال الضحاك والأخفش وٱبن عيينة وٱبن كيسان : الهيم الأرض السهلة ذات الرمل . وروي أيضاً عن ٱبن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا ترْوى بالماء . المهدوي : ويقال لكل ما لا يروى من الإبل والرمل أهيم وهيماء . وفي الصحاح : والهُيَام بالضم أشد العطش . والهُيَام كالجنون من العشق . والهُيَام داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض لا ترعى . يقال : ناقة هَيْماء . والهيماء أيضاً المفازة لا ماء بها . والهَيام بالفتح : الرمل الذي لا يتماسك أن يسيل من اليد لِليِنه والجمع هِيم مثل قَذَالٍ وقُذُلٍ . والهِيَام بالكسر الإبل العطاش الواحد هيمان ، وناقة هيماء مثل عطشان وعطشى . قوله تعالى : { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } أي رزقهم الذي يُعدّ لهم ، كالنزل الذي يعدّ للأضياف تكرمةً لهم ، وفيه تهكُّم كما في قوله تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وكقول أبي السّعد الضَّبيّ : @ وكنا إذا الْجَبَّارُ بالجيشِ ضَافَنَا جعلنا القَنَا والمرهفاتِ له نُزْلاَ @@ وقرأ يونس بن حبيب وعباس عن أبي عمرو « هَذَا نُزْلُهُمْ » بإسكان الزاي وقد مضى في آخر « آل عمران » القول فيه . { يَوْمَ ٱلدِّينِ } يوم الجزاء ، يعني في جهنم .