Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 11-12)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } ندب إلى الإنفاق في سبيل الله . وقد مضى في « البقرة » القول فيه . والعرب تقول لكل من فعل فعلاً حسناً : قد أقرض كما قال : @ وإذا جُوزِيتَ قَرْضاً فَٱجْزِهِ إِنَّمَا يَجْزِي الفتى ليس الْجَمَلْ @@ وسمّي قرضاً لأن القرض أخرج لاسترداد البدل . أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدِله الله بالأضعافِ الكثيرة . قال الكلبي : « قَرْضاً » أي صدقة « حَسَناً » أي محتسباً مِن قلبه بلا مَنٍّ ولا أذىً . { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } ما بين السبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف . وقيل : القرض الحسن هو أن يقول سبحان الله والحمد الله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر رواه سفيان عن ابي حيان . وقال زيد بن أسلم : هو النفقة على الأهل . الحسن : التطوع بالعبادات . وقيل : إنه عمل الخير والعرب تقول : لي عند فلان قرض صِدقٍ وقرض سوء . القشيري : والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس ، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسُّمعة ، وأن يكون من الحلال . ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه لقوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } [ البقرة : 267 ] وأن يتصدق في حال يأمل الحياة فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال : " أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا " وأن يخفى صدقته لقوله تعالى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] وألاّ يَمُنّ لقوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [ البقرة : 264 ] وأن يستحقر كثير ما يعطي لأن الدنيا كلها قليلة ، وأن يكون من أحبّ أمواله لقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] وأن يكون كثيراً لقوله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الرقاب أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } وقرأ ابن كثير وابن عامر « فَيُضَعِّفُه » بإسقاط الألف إلا ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء . وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة « فَيُضَاعِفهُ » بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصماً نصب الفاء . ورفع الباقون عطفاً على « يُقْرِضُ » . وبالنصب جواباً على الاستفهام . وقد مضى في « البقرة » القول في هذا مستوفى : { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } يعني الجنة . قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } العامل في « يَوْمَ » { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } وفي الكلام حذف أي « وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ » في « يَوْم تَرَى » فيه { ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم } أي يمضي على الصراط في قول الحسن ، وهو الضياء الذي يمرون فيه { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي قدّامهم . { وَبِأَيْمَانِهِم } قال الفراء : الباء بمعنى في أي في أيمانهم . أو بمعنى عن أي عن أيمانهم . وقال الضحاك : { نُورُهُم } هداهم { وَبِأَيْمَانِهِم } كتبهم وٱختاره الطبري . أي يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم . فالباء على هذا بمعنى في . ويجوز على هذا أن يوقف على { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ولا يوقف إذا كانت بمعنى عن . وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة « وبِإِيمانِهِم » بكسر الألف ، أراد الإيمان الذي هو ضد الكفر . وعطف ما ليس بظرف على الظرف لأن معنى الظرف الحال وهو متعلق بمحذوف . والمعنى يسعى كائناً { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } وكائناً « بِإيَمانِهِمْ » ، وليس قوله : { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } متعلقاً بنفس « يَسْعَى » . وقيل : أراد بالنور القرآن . وعن ٱبن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نوراً من نوره على إبهام رجله فيطفأ مرة ويوقد أخرى . وقال قتادة : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن مِن المؤمنين من يضيء نوره كما بين المدينة وعدنٍ أو ما بين المدينة وصنعاء ودون ذلك حتى يكون منهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه " قال الحسن : ليستضيئوا به على الصراط كما تقدم . وقال مقاتل : ليكون دليلاً لهم إلى الجنة . والله أعلم . قوله تعالى : { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } التقدير يقال لهم : { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ } دخول جناتٍ . ولا بد من تقدير حذف المضاف لأن البشرى حدث ، والجنة عين فلا تكون هي هي . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي من تحتهم أنهار اللبن والماء والخمر والعسل من تحت مساكنها . { خَالِدِينَ فِيهَا } حال من الدخول المحذوف التقدير « بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ » دخول جناتٍ { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } مقدرين الخلود فيها ولا تكون الحال من بشراكم لأن فيه فصلاً بين الصلة والموصول . ويجوز أن يكون مما دل عليه البشرى ، كأنه قال : تبشرون خالدين . ويجوز أن يكون الظرف الذي هو « الْيَوْمَ » خبراً عن « بُشْرَاكُمُ » و « جَنَّاتٌ » بدلاً من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم . و « خَالِدِينَ » حال حسب ما تقدم . وأجاز الفراء نصب « جَنَّات » على الحال على أن يكون « الْيَوْمَ » خبراً عن « بُشْرَاكُمُ » وهو بعيد إذ ليس في « جَنَّات » معنى الفعل . وأجاز أن يكون « بُشْرَاكُمُ » نصباً على معنى يبشرونهم بشرى وينصب « جنات » بالبشرى وفيه تفرقة بين الصلة والموصول .