Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 13-15)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } العامل في « يَوْمَ » { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . وقيل : هو بدل من اليوم الأول . { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ } قراءة العامة بوصل الألف مضمومة الظاء من نظر والنظر الانتظار أي ٱنتظرونا . وقرأ الأعمش وحمزة ويحيـى بن وثّاب « أَنْظِرُونَا » بقطع الألف وكسر الظاء من الإنظار . أي أمهلونا وأخرونا أنظرته أخرته ، وٱستنظرته أي ٱستمهلته . وقال الفراء : تقول العرب : أنظِرني ٱنتظرني وأنشد لعمرو بن كُلْثوم : @ أبا هِندٍ فلا تَعْجلْ عَلَيْنَا وأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ الْيقِينَا @@ أي ٱنتظرنا . { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي نستضيء من نوركم . قال ٱبن عباس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة قال الماوردي : أظنها بعد فصل القضاء ثم يعطون نوراً يمشون فيه . قال المفسرون : يعطي الله المؤمنين نوراً يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم دليله قوله تعالى : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] . وقيل : إنما يعطون النور لأن جميعهم أهل دعوة دون الكافر ، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه قاله ٱبن عباس . وقال أبو أمامة : يعطي المؤمن النور ويترك الكافر والمنافق بلا نور . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور ، فبينما هم يمشون إذ بعث الله فيهم ريحاً وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين فذلك قوله تعالى : { رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } يقوله المؤمنون خشية أن يُسلبوه كما سلبه المنافقون ، فإذا بقي المنافقون في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم قالوا للمؤمنين : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } . { قِيلَ ٱرْجِعُواْ ورَاءَكُمْ } أي قالت لهم الملائكة « ٱرْجِعُوا » . وقيل : بل هو قول المؤمنين لهم { ٱرْجِعُواْ وَرَاءَكُم } إلى الموضع الذي أخذنا منه النور فاطلبوا هنالك لأنفسكم نوراً فإنكم لا تقتبسون من نورنا . فلما رجعوا وانعزلوا في طلب النور { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } ، وقيل : أي هلاّ طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا . « بِسُورٍ » أي سُورٌ والباء صلة . قاله الكسائي . والسُّور حاجز بين الجنة والنار . وروي أن ذلك السُّور ببيت المَقْدس عند موضع يعرف بوادي جهنم . { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } يعني ما يلي منه المؤمنين { وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ ٱلْعَذَاب } يعني ما يلي المنافقين . قال كعب الأحبار : هو الباب الذي ببيت المقدس المعروف بباب الرحمة . وقال عبد الله بن عمرو : إنه سُور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد { وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ ٱلْعَذَاب } يعني جهنم . ونحوه عن ٱبن عباس . وقال زياد ابن أبي سوادة : قام عبادة بن الصامت على سُور بيت المقدس الشرقي فبكى ، وقال : من ههنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم . وقال قتادة : هو حائط بين الجنة والنار « بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ » يعني الجنة { وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ ٱلْعَذَاب } يعني جهنم . وقال مجاهد : إنه حجاب كما في « الأعراف » وقد مضى القول فيه . وقد قيل : إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين ، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين . قوله تعالى : { يُنَادُونَهُمْ } أي ينادي المنافقون المؤمنين { أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } في الدنيا يعني نصلي مثل ما تصلون ، ونغزو مثل ما تغزون ، ونفعل مثل ما تفعلون { قَالُواْ بَلَىٰ } أي يقول المؤمنون « بَلَى » قد كنتم معنا في الظاهر { وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } أي ٱستعملتموها في الفتنة . وقال مجاهد : أهلكتموها بالنفاق . وقيل : بالمعاصي قاله أبو سنان . وقيل : بالشهوات واللذات رواه أبو نمير الهمْداني . { وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ } أي « تَرَبَّصْتُمْ » بالنبيّ صلى الله عليه وسلم الموت ، وبالمؤمنين الدوائر . وقيل : « تَرَبَّصْتُمْ » بالتوبة { وَٱرْتَبْتُمْ } أي شككتم في التوحيد والنبوة { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ } أي الأباطيل . وقيل : طول الأمل . وقيل : هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم . وقال قتادة : الأماني هنا خدع الشيطان . وقيل : الدنيا قاله عبد الله بن عباس . وقال أبو سنان : هو قولهم سَيُغْفَر لنا . وقال بلال بن سعد : ذكرك حسناتِك ونسيانك سيئاتِك غِرّةً . { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني الموت . وقيل : نصرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : إلقاؤهم في النار . { وَغَرَّكُم } أي خدعكم { بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أي الشيطان قاله عكرمة . وقيل : الدنيا قاله الضحاك . وقال بعض العلماء : إن للباقي بالماضي معتبراً ، وللآخر بالأول مزدجراً ، والسعيد من لا يغتر بالطمع ، ولا يركن إلى الخُدَع ، ومن ذكر المنيّة نسي الأمنيّة ، ومن أطال الأمل نسي العمل ، وغفل عن الأجل . وجاء « الْغَرُورُ » على لفظ المبالغة للكثرة . وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السَّمَيْقَع وسِمَاك بن حرب « الغُرُورُ » بضم الغين يعني الأباطيل وهو مصدر . وعن ٱبن عباس : " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خطّ لنا خطوطاً ، وخطّ منها خطًّا ناحية فقال : « أتدرون ما هذا ؟ هذا مثل ٱبن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الآمال بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت » " وعن ٱبن مسعود قال : " خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا مربعاً ، وخطّ وسطه خطًّا وجعله خارجاً منه ، وخطّ عن يمينه ويساره خطوطاً صغاراً فقال : « هذا ٱبن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا » " . قوله تعالى : { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } أيها المنافقون { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أيأسهم من النجاة . وقراءة العامة { يُؤْخَذُ } بالياء لأن التأنيث غير حقيقي ولأنه قد فصل بينها وبين الفعل . وقرأ ٱبن عامر ويعقوب « تُؤْخَذُ » بالتاء وٱختاره أبو حاتم لتأنيث الفدية . والأوّل ٱختيار أبي عبيد أي لا يقبل منكم بدل ولا عوض ولا نفس أخرى . { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي مقامكم ومنزلكم { هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي أَوْلى بكم ، والمولى من يتولى مصالح الإنسان ، ثم ٱستعمل فيمن كان ملازماً للشيء . وقيل : أي النار تملك أمرهم بمعنى أن الله تبارك وتعالى يُرَكِّب فيها الحياة والعقل فهي تتميز غيظاً على الكفار ، ولهذا خوطبت في قوله تعالى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } . أي ساءت مرجعاً ومصيراً .