Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } التي ٱشتكت إلى الله هي خَوْلَة بنت ثعلبة . وقيل بنت حكيم . وقيل ٱسمها جميلة . وخَوْلَة أصح وزوجها أَوْس بن الصَّامِت أخو عُبَادة بن الصامت ، وقد مرّ بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فٱستوقفته طويلاً ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عُمَيْراً ، ثم قيل لك عمر ، ثم قيل لك أمير المؤمنين فٱتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أوّل النهار إلى آخره لازلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خَوْلَة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع ربّ العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ وقالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسِع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خَوْلَة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول : يا رسول الله ! أكل شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وٱنقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك ! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } خرجه ٱبن ماجه في السنن . والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادِلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } . وقال الماوردي : هي خَوْلَة بنت ثعلبة . وقيل : بنت خويلد . وليس هذا بمختلف لأن أحدهما أبوها والآخر جدّها فنسبت إلى كل واحد منهما . وزوجها أَوْس بن الصَّامِت أخو عُبَادة بن الصَّامت . وقال الثعلبي قال ٱبن عباس : " هي خَوْلة بنت خويلد الخزرجية ، كانت تحت أَوس بن الصَّامت أخو عُبَادة بن الصامت ، وكانت حسنة الجِسم فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها ، فلما ٱنصرفت أرادها فأبت فغضب عليها قال عُرْوة : وكان ٱمرأً به لَمَم فأصابه بعض لَمَمِه فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي . وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لها : « حرِمت عليه » فقالت : والله ما ذكر طلاقاً ثم قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وٱبن عمي وقد نفضت له بطني فقال : « حرِمت عليه » فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية . وروى الحسن : أنها قالت : يا رسول اللهٰ قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أوحي إليّ في هذا شيء » فقالت : يا رسول الله ، أوحي إليك في كل شيء وطُوِي عنك هذا ؟ ! فقال : « هو ما قلت لكِ » فقالت : إلى الله أشكو لا إلى رسوله . فأنزل الله : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } الآية " وروى الدَّارَقطْنِيّ من حديث قتادة أن أنس بن مالك حدّثه قال : " إن أَوْس بن الصَّامت ظاهر من ٱمرأته خُوَيْلة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ظاهر حين كبِرت سنّي ورقّ عظمي . فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس : « ٱعتق رقبة » قال : مالي بذلك يدان . قال : « فصم شهرين متتابعين » قال : أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكِلّ بصري . قال : « فأطعم ستين مسكيناً قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً حتى جمع الله له والله غفور رحيم . " { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } قال : فكانوا يرون أن عنده مثلها وذلك لستين مسكيناً ، وفي الترمذيّ وسنن ٱبن ماجه : " أن سلمة بن صخر البياضيّ ظاهر من ٱمرأته ، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : « ٱعتق رقبة » قال : فضربت صفحة عنقي بيدي . فقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها . قال : « فصم شهرين » فقلت : يا رسول اللهٰ وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام . قال : « فأطعم ستين مسكيناً » " الحديث . وذكر ٱبن العربي في أحكامه : " روي : أن خولة بنت دليج ظاهر منها زوجها ، فأتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « قد حرمت عليه » فقالت : أشكو إلى الله حاجتي . ثم عادت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حرمت عليه » فقالت : إلى الله أشكو حاجتي إليه وعائشة تغسل شق رأسه الأيمن ، ثم تحوّلت إلى الشق الآخر وقد نزل عليه الوحي ، فذهبت أن تعيد ، فقالت عائشة : ٱسكتي فإنه قد نزل الوحي . فلما نزل القرآن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها : « ٱعتق رقبة » قال : لا أجد . قال : « صم شهرين متتابعين » قال : إن لم آكل في اليوم ثلاث مرات خفت أن يعشو بصري . قال : « فأطعم ستين مسكيناً » " قال : فأعني . فأعانه بشيء . قال أبو جعفر النحاس : أهل التفسير على أنها خولة وزوجها أَوْس بن الصّامت ، وٱختلفوا في نسبها ، قال بعضهم : هي أنصارية وهي بنت ثعلبة ، وقال بعضهم : هي بنت دليج ، وقيل : هي بنت خُوَيلد ، وقال بعضهم : هي بنت الصامت ، وقال بعضهم : هي أمَة كانت لعبد الله بن أُبَيّ ، وهي التي أنزل الله فيها { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } لأنه كان يُكرهها على الزنى . وقيل : هي بنت حكيم . قال النحاس : وهذا ليس بمتناقض ، يجوز أن تنسب مرةً إلى أبيها ، ومرةً إلى أمها ، ومرةً إلى جدّها ، ويجوز أن تكون أَمة كانت لعبد الله بن أبيّ فقيل لها أنصارية بالولاء لأنه كان في عداد الأنصار وإن كان من المنافقين . الثانية قرىء « قَد سَّمِعَ اللَّهُ » بالادغام و « قَدْ سَمِعَ اللَّهُ » بالإظهار . والأصل في السماع إدراك المسموعات ، وهو ٱختيار الشيخ أبي الحسن . وقال ٱبن فُورك : الصحيح أنه إدراك المسموع . وقال الحاكم أبو عبد الله في معنى السميع : إنه المدرك للأصوات التي يدركها المخلوقون بآذانهم من غير أن يكون له أُذن ، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه وإن كان غير موصوف بالحِس المركب في الأذن كالأصم من الناس لما لم تكن له هذه الحاسة لم يكن أهلاً لإدراك الصوت . والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة ، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه وتعالى متصفاً بهما . وشكى وٱشتكى بمعنى واحد . وقرِىء « تُحَاوِرُكَ » أي تراجعك الكلام و « تُجَادِلُكَ » أي تسائلك .