Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث وعشرون مسألة : الأولى : قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ } قرأ ٱبن عامر وحمزة والكسائي وخلف « يظَّاهُرونَ » بفتح الياء وتشديد الظاء وألف . وقرأ نافع وٱبن كثير وأبو عمرو ويعقوب « يَظَّهّرُونَ » بحذف الألف وتشديد الهاء والظاء وفتح الياء . وقرأ أبو العالية وعاصم وزِرّ بن حُبَيش « يُظاهِرُونَ » بضم الياء وتخفيف الظاء وألف وكسر الهاء . وقد تقدّم هذا في « الأحزاب » . وفي قراءة أبَي « يَتَظَاهَرُونَ » وهي معنى قراءة ٱبن عامر وحمزة . وذِكر الظهر كناية عن معنى الركوب ، والآدمية إنما يركب بطنها ولكن كنّي عنه بالظهر لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره ، فكنّي بالظهر عن الركوب . ويقال : نزل عن ٱمرأته أي طلقها كأنه نزل عن مركوب . ومعنى أنت عليّ كظهر أمّي : أي أنت عليّ محرّمة لا يحلّ لي ركوبك . الثانية : حقيقة الظهار تشبيه ظهر بظهر ، والموجب للحكم منه تشبيه ظهرٍ محلل بظهرٍ محرّم ولهذا أجمع الفقهاء على أن من قال لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي أنه مظاهر . وأكثرهم على أنه إن قال لها : أنت عليّ كظهر ٱبنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم أنه مظاهر . وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما . وٱختلف فيه عن الشافعي رضي الله عنه فروي عنه نحو قول مالك لأنه شبّه ٱمرأته بظهر محرّم عليه مؤبَّد كالأم . وروى عنه أبو ثور : أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها . وهو مذهب قتادة والشعبي . والأوّل قول الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري . الثالثة : أصل الظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي . وإنما ذكر الله الظهر كناية عن البطن وستراً . فإن قال : أنت عليّ كأمي ولم يذكر الظهر ، أو قال : أنت عليّ مثل أمي فإن أراد الظهار فله نيته ، وإن أراد الطلاق كان مطلقاً الْبَتَّة عند مالك ، وإن لم تكن له نية في طلاق ولا ظهار كان مظاهراً . ولا ينصرف صريح الظهار بالنية إلى الطلاق كما لا ينصرف صريح الطلاق وكنايته المعروفة له إلى الظهار ، وكناية الظهار خاصة تنصرف بالنية إلى الطلاق الْبَتّ . الرابعة : ألفاظ الظهار ضربان : صريح وكناية فالصريح أنت عليّ كظهر أمي ، وأنت عندي وأنتِ مني وأنتِ معي كظهر أمي . وكذلك أنت عليّ كبطن أمي أو كرأسها أو فرجها أو نحوه ، وكذلك فرجك أو رأسك أو ظهرك أو بطنك أو رجلك عليّ كظهر أمي فهو مظاهر مثل قوله : يدك أو رجلك أو رأسك أو فرجك طالق تطلق عليه . وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يكون ظهاراً . وهذا ضعيف منه لأنه قد وافقنا على أنه يصح إضافة الطلاق إليه خاصة حقيقة خلافاً لأبي حنيفة فصح إضافة الظهار إليه . ومتى شبهها بأمه أو بإحدى جداته من قبل أبيه أو أمه فهو ظهار بلا خلاف . وإن شبهها بغيرهن من ذوات المحارم التي لا تحل له بحال كالبنت والأخت والعمة والخالة كان مظاهراً عند أكثر الفقهاء ، وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه على الصحيح من المذهب على ما ذكرنا . والكناية أن يقول : أنت عليّ كأمي أو مثل أمي فإنه يعتبر فيه النية . فإن أراد الظهار كان ظهاراً ، وإن لم يرد الظهار لم يكن مظاهراً عند الشافعي وأبي حنيفة . وقد تقدّم مذهب مالك رضي الله عنه في ذلك والدليل عليه أنه أطلق تشبيه ٱمرأته بأمّه فكان ظهاراً . أصله إذا ذكر الظهر وهذا قوي فإن معنى اللفظ فيه موجود واللفظ بمعناه ولم يلزم حكم الظهر للفظه وإنما ألْزِمَه بمعناه وهو التحريم قاله ٱبن العربي . الخامسة : إذا شبه جملة أهله بعضو من أعضاء أمّه كان مظاهراً خلافاً لأبي حنيفة في قوله : إنه إن شبهها بعضو يحلّ له النظر إليه لم يكن مظاهراً . وهذا لا يصح لأن النظر إليه على طريق الاستمتاع لا يحل له ، وفيه وقع التشبيه وإياه قصد المظاهر وقد قال الإمام الشافعي في قول : إنه لا يكون ظهاراً إلا في الظهر وحده . وهذا فاسد لأن كل عضو منها محرّم ، فكان التشبيه به ظهاراً كالظهر ولأن المظاهر إنما يقصد تشبيه المحلل بالمحرم فلزم على المعنى . السادسة : إن شبه ٱمرأته بأجنبية فإن ذكر الظهر كان ظهاراً حملاً على الأوّل ، وإن لم يذكر الظهر فاختلف فيه علماؤنا فمنهم من قال : يكون ظهاراً . ومنهم من قال : يكون طلاقاً . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يكون شيئاً . قال ٱبن العربي : وهذا فاسد لأنه شبه محللا من المرأة بمحرم فكان مقيَّداً بحكمه كالظهر ، والأسماء بمعانيها عندنا ، وعندهم بألفاظها وهذا نقض للأصل منهم . قلت : الخلاف في الظهار بالأجنبية قوي عند مالك . وأصحابه منهم من لا يرى الظهار إلا بذوات المحارم خاصم ولا يرى الظهار بغيرهن . ومنهم من لا يجعله شيئاً . ومنهم من يجعله في الأجنبية طلاقاً . وهو عند مالك إذا قال : كظهر ٱبني أو غلامي أو كظهر زيد أو كظهر أجنبية ظهار لا يحل له وطؤها في حين يمينه . وقد روى عنه أيضاً : أن الظهار بغير ذوات المحارم ليس بشيء كما قال الكوفي والشافعي . وقال الأوزاعي : لو قال لها أنت عليّ كظهر فلان رجل فهو يمين يكفرها . والله أعلم . السابعة : إذا قال : أنت عليّ حرام كظهر أمي كان ظهاراً ولم يكن طلاقاً لأن قوله : أنت حرام عليّ يحتمل التحريم بالطلاق فهي مطلقة ، ويحتمل التحريم بالظهار فلما صرح به كان تفسيراً لأحد الاحتمالين يقضي به فيه . الثامنة : الظهار لازم في كل زوجة مدخول بها أو غير مدخول بها على أي الأحوال كانت من زوج يجوز طلاقه . وكذلك عند مالك من يجوز له وطؤها من إمائه ، إذا ظاهر منهن لزمه الظهار فيهن . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يلزم . قال القاضي أبو بكر بن العربي : وهي مسألة عسيرة جدًّا علينا لأن مالكاً يقول : إذا قال لأمته أنت عليّ حرام لا يلزم . فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته . ولكن تدخل الأمَة في عموم قوله : { مِّن نِّسَآئِهِمْ } لأنه أراد من محللاتهم . والمعنى فيه أنه لفظ يتعلق بالبُضع دون رفع العقد فصح في الأمة أصله الحلف بالله تعالى . التاسعة : ويلزم الظهار قبل النكاح إذا نكح التي ظاهر منها عند مالك . ولا يلزم عند الشافعي وأبي حنيفة لقوله تعالى : { مِّن نِّسَآئِهِمْ } وهذه ليست من نسائه . وقد مضى أصل هذه المسألة في سورة « براءة » عند قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } [ التوبة : 75 ] الآية . العاشرة : الذمي لا يلزم ظهاره . وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : يصح ظهار الذمي ودليلنا قوله تعالى : { مِنكُمْ } يعني من المسلمين . وهذا يقتضي خروج الذميّ من الخطاب . فإن قيل : هذا ٱستدلال بدليل الخطاب . قلنا : هو ٱستدلال بٱلاشتقاق والمعنى ، فإن أنكحة الكفار فاسدة مستحقة الفسخ فلا يتعلق بها حكم طلاقٍ ولا ظِهار ، وذلك كقوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } [ الطلاق : 2 ] وإذا خلت الأنكحة عن شروط الصحة فهي فاسدة ، ولا ظهار في النكاح الفاسد بحال . الحادية عشرة : قوله تعالى : { مِنكُمْ } يقتضي صحة ظهار العبد خلافاً لمن منعه . وحكاه الثعلبي عن مالك ، لأنه من جملة المسلمين وأحكام النكاح في حقه ثابتة وإن تعذر عليه العتق والإطعام فإنه قادر على الصيام . الثانية عشرة : وقال مالك رضي الله عنه : ليس على النساء تظاهر ، وإنما قال الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ } ولم يقل اللائي يظهرن منكن من أزواجهن ، إنما الظهار على الرجال . قال ٱبن العربي : هكذا روي عن ٱبن القاسم وسالم ويحيـى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد . وهو صحيح معنًى لأن الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجال ليس بيد المرأة منه شيء وهذا إجماع . قال أبو عمر : ليس على النساء ظهار في قول جمهور العلماء . وقال الحسن بن زياد : هي مظاهرة . وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد : ليس ظهار المرأة من الرجل بشيء قبل النكاح كان أو بعده . وقال الشافعي : لا ظهار للمرأة من الرجل . وقال الأوزاعي : إذا قالت المرأة لزوجها : أنت عليّ كظهر أمّي فلانة فهي يمين تكفِّرُهَا . وكذلك قال إسحاق : قال : لا تكون ٱمرأة متظاهرة من رجل ولكن عليها يمين تكفرها . وقال الزهري : أرى أن تكفر كفارة الظهار ، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها رواه عنه معمر . وابن جريج عن عطاء قال : حرمت ما أحل الله ، عليها كفارة يمين . وهو قول أبي يوسف . وقال محمد بن الحسن : لا شيء عليها . الثالثة عشرة : من به لَمَمٌ وٱنتظمت له في بعض الأوقات الكلم إذا ظاهر لزم ظهاره لما روي في الحديث : أن خَوْلة بنت ثعلبة وكان زوجها أَوْس بن الصّامت وكان به لَمَم فأصابه بعض لَمَمِه فظاهر من ٱمرأته . الرابعة عشرة : من غضب وظاهر من امرأته أو طلق لم يسقط عنه غضبه حكمه . وفي بعض طرق هذا الحديث ، قال يوسف بن عبد الله بن سلام : حدّثتني خَوْلَة ٱمرأة أَوْس بن الصّامت ، قالت : كان بيني وبينه شيء ، فقال : أنت عليّ كظهر أمي ثم خرج إلى نادي قومه . فقولها : كان بيني وبينه شيء دليل على منازعة أحرجته فظاهر منها . والغضب لغو لا يرفع حكماً ولا يغيِّر شرعاً وكذلك السكران . وهي : الخامسة عشرة : يلزمه حكم الظهار والطلاق في حال سكره إذا عقَل قولَه ونظَم كلامَه لقوله تعالى : { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [ النساء : 43 ] على ما تقدم في « النساء » بيانه . والله أعلم . السادسة عشرة : ولا يقرب المظاهر ٱمرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ منها بشيء حتى يكفّر ، خلافاً للشافعي في أحد قوليه لأن قوله : أنت عليّ كظهر أمي يقتضي تحريم كل ٱستمتاع بلفظه ومعناه ، فإن وطئها قبل أن يكفّر ، وهي : السابعة عشرة : ٱستغفر الله تعالى وأمسك عنها حتى يكفّر كفارة واحدة . وقال مجاهد وغيره : عليه كفارتان . روى سعيد عن قتادة ، ومطرّف عن رجاء بن حَيْوة عن قَبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص في المظاهر : إذا وطىء قبل أن يكفّر عليه كفارتان . ومعمر عن قتادة قال : قال قبيصة بن ذؤيب : عليه كفارتان . وروى جماعة من الأئمة منهم ٱبن ماجه والنسائي عن ٱبن عباس : " أن رجلاً ظاهر من ٱمرأته فغشيها قبل أن يكفّر فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : « ما حملك على ذلك » فقال : يا رسول الله ! رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها . فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمره ألاّ يقربها حتى يكفّر " وروى ٱبن ماجه والدَّارَقُطْني عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم وقع بٱمرأته قبل أن يكفّر ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يكفّر تكفيراً واحداً . الثامنة عشرة : إذا ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة كقوله : أنتن عليّ كظهر أمّي كان مظاهراً من كل واحدة منهن ، ولم يجز له وطء إحداهن وأجزأته كفارة واحدة . وقال الشافعي : تلزمه أربع كفارات . وليس في الآية دليل على شيء من ذلك لأن لفظ الجمع إنما وقع في عامة المؤمنين والمعوّل على المعنى . وقد روى الدَّارَقُطْنيّ عن ٱبن عباس قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إذا كان تحت الرجل أربع نسوة فظاهر منهن يجزيه كفارة واحدة ، فإن ظاهر من واحدة بعد أخرى لزمه في كل واحدة منهن كفارة . وهذا إجماع . التاسعة عشرة : فإن قال لأربع نسوة : إن تزوجتكن فأنتن عليّ كظهر أمي فتزوّج إحداهن لم يقربها حتى يكفّر ، ثم قد سقط عنه اليمين في سائرهن . وقد قيل : لا يطأ البواقي منهن حتى يكفر . والأوّل هو المذهب . الموفية عشرين : وإن قال لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي وأنت طالق البَتّة لزمه الطلاق والظهار معاً ، ولم يكفر حتى ينكحها بعد زوج آخر ولا يطأها إذا نكحها حتى يكفّر ، فإن قال لها : أنت طالق البتة وأنت عليّ كظهر أمي لزمه الطلاق ولم يلزمه الظهار لأن المبتوتة لا يلحقها طلاق . الحادية والعشرون : قال بعض العلماء : لا يصح ظهار غير المدخول بها . وقال المزني : لا يصح الظهار من المطلقة الرجعية ، وهذا ليس بشيء لأن أحكام الزوجية في الموضعين ثابتة ، وكما يلحقها الطلاق كذلك يلحقها الظهار قياساً ونظراً . والله أعلم . الثانية والعشرون : قوله تعالى : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } أي ما نساؤهم بأمهاتهم . وقراءة العامة { أُمَّهَاتِهِمْ } بخفض التاء على لغة أهل الحجاز كقوله تعالى : { مَا هَـٰذَا بَشَراً } [ يوسف : 31 ] . وقرأ أبو معمر والسلمي وغيرهما « أُمَّهَاتُهُمْ » بالرفع على لغة تميم . قال الفراء : أهل نجد وبنو تميم يقولون « مَا هَذَا بَشَرٌ » ، و « مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ » بالرفع . { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } أي ما أمهاتهم إلا الوالدات . وفي المثل : ولدِك مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ . وقد تقدم القول في اللائي في « الأحزاب » . الثالثة والعشرون : قوله تعالى : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } أي فظيعاً من القول لا يعرف في الشرع . والزور الكذب { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } إذ جعل الكفارة عليهم مخلّصة لهم من هذا القول المنكر .