Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 8-8)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ } قيل : إن هذا في اليهود والمنافقين حسب ما قدمناه . وقيل : في المسلمين . قال ٱبن عباس : نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فيقول المؤمنون : لعلهم بلغهم عن إخواننا وقرابتنا من المهاجرين والأنصار قتل أو مصيبة أو هزيمة ، ويسوءهم ذلك فكثرت شكواهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فنزلت . وقال مقاتل : كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة ، فإذا مر بهم رجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمن شرًّا ، فيعرج عن طريقه ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينتهوا فنزلت . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان الرجل يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم فيسأله الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب ، فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهِمٍّ فيفزعون لذلك فنزلت . الثانية : " روى أبو سعيد الخدري قال : كنا ذات ليلة نتحدّث إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « ما هذه النجوى ألم تُنهوا عن النجوى » فقلنا : تبنا إلى الله يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيخ يعني الدجال فرقاً منه . فقال : « ألا أخبركم بما هو أخوف عندي منه » قلنا : بلى يا رسول الله قال : « الشرك الخفيّ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل » " ذكره الماوردي . وقرأ حمزة وخلف ورُوَيس عن يعقوب « وَيَنْتَجُونَ » في وزن يفتعلون وهي قراءة عبد الله وأصحابه . وقرأ الباقون « وَيَتَنَاجَوْنَ » في وزن يتفاعلون ، وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله تعالى : { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } و { وَتَنَاجَوْاْ } . النحاس : وحكى سيبويه أن تفاعلوا وٱفتعلوا يأتيان بمعنى واحد ، نحو تخاصموا وٱختصموا ، وتقاتلوا وٱقتتلوا فعلى هذا « يَتَنَاجَوْنَ » و « يَنتجُون » واحد . ومعنى { بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } أي الكذب والظلم . { وَمَعْصِيَةِ ٱلرَّسُولِ } أي مخالفته . وقرأ الضحاك ومجاهد وحميد « وَمَعْصِيَاتِ الرَّسُول » بالجمع . الثالثة : قوله تعالى : { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } لا خلاف بين النقلة أن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقولون : السام عليك . يريدون بذلك السلام ظاهراً وهم يعنون الموت باطناً ، فيقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " عليكم " في رواية ، وفي رواية أخرى " وعليكم " قال ٱبن العربي : وهي مشكلة . وكانوا يقولون : لو كان محمد نبيّاً لما أمهلنا الله بسبّه والاستخفاف به ، وجهلوا أن الباري تعالى حليم لا يعاجل من سبّه ، فكيف من سبّ نبيه . وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا أحدَ أصبر على الأذى من الله يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم " فأنزل الله تعالى هذا كشفاً لسرائرهم ، وفضحاً لبواطنهم ، معجزةً لرسوله صلى الله عليه وسلم . وقد ثبت عن قتادة عن أنس : " أن يهوديًّا أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه فقال : السام عليكم . فرد عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال : « أتدرون ما قال هذا » قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : « قال كذا ردوه عليّ » فردوه قال : « قلت السام عليكم » قال : نعم . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم عند ذلك : « إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليك ما قلت » فأنزل الله تعالى : { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } " . قلت : خرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح . وثبت عن عائشة أنها قالت : " جاء أناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم . فقلت : السام عليكم وفعل الله بكم وفعل . فقال عليه السلام : « مَهْ يا عائشة فإن الله لا يحبّ الفُحْش ولا التّفحُّش » فقلت : يا رسول الله ألست ترى ما يقولون ؟ ! فقال : « ألستِ ترين أرد عليهم ما يقولون أقول وعليكم » " فنزلت هذه الآية { بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } أي إن الله سلّم عليك وهم يقولون السام عليك ، والسام الموت . خرجه البخاري ومسلم بمعناه . وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " كذا الرواية « وعليكم » بالواو وتكلم عليها العلماء لأن الواو العاطفة يقتضي التشريك فيلزم منه أن يدخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت ، أو من سآمة ديننا وهو الملال . يقال : شئم يسأم سآمةً وسآماً . فقال بعضهم : الواو زائدة كما زيدت في قول الشاعر : @ * فَلَمَّا أَجَزْنَا ساحةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى @@ أي لما أجزنا ٱنتحى فزاد الواو . وقال بعضهم : هي للاستئناف ، كأنه قال : والسام عليكم . وقال بعضهم : هي على بابها من العطف ولا يضرنا ذلك لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم . روي أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : " سلّم ناس من يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم ، فقال : « وعليكم » فقالت عائشة وغضبت : ألم تسمع ما قالوا ؟ قال : « بلى قد سمعت فرددت عليهم وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا » " خرجه مسلم . ورواية الواو أحسن معنىً ، وإثباتها أصح روايةً وأشهر . وقد ٱختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو واجب كالرد على المسلمين ، وإليه ذهب ٱبن عباس والشَّعبي وقتادة للأمر بذلك . وذهب مالك فيما روى عنه أشهب وٱبن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب فإن رددت فقل عليك . وقد ٱختار ٱبن طاوس أن يقول في الرد عليهم : علاك السلام أي ٱرتفع عنك . وٱختار بعض أصحابنا : السِّلام بكسر السين يعني الحجارة . وما قاله مالك أولى ٱتباعاً للسنة والله أعلم . وروى مسروق عن عائشة قالت : " أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود ، فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم قال : « وعليكم » قالت عائشة : قلت بل عليك السَّامُ والذَّامُ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا عائشة لا تكوني فاحشة » فقالت : ما سمعت ما قالوا ! فقال : « أو ليس قد رددتُ عليهم الذي قالوا قلتُ وعليكم » " وفي رواية قال : ففطنت بهم عائشة فسبّتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَهْ يا عائشة فإن الله لا يحبّ الفحش والتفحش " وزاد فأنزل الله تبارك وتعالى : { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } إلى آخر الآية . الذام بتخفيف الميم هو العيب وفي المثل لا تَعْدَم الحسناءُ ذاماً أي عيباً ، ويهمز ولا يهمز يقال : ذَأَمَهُ يَذْأُمه ، مثل ذأب يذأب ، والمفعول مذؤوم مهموزاً ، ومنه { مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } [ الإسراء : 18 ] ويقال : ذامَهُ يَذُومُه مخفَّفاً كرامه يرومه . قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } قالوا : لو كان محمد نبيًّا لعذّبنا الله بما نقول فهلاّ يعذبنا الله . وقيل : قالوا إنه يردّ علينا ويقول وعليكم السام والسام الموت ، فلو كان نبيًّا لاستجيب له فينا ومتنا . وهذا موضع تعجُّب منهم فإنهم كانوا أهل كتاب ، وكانوا يعلمون أن الأنبياء قد يغُضَبون فلا يعاجل من يغضبهم بالعذاب . { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } أي كافيهم جهنم عقاباً غداً { فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع .