Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟ قال : قل سورة النَّضِير وهم رهط من اليهود من ذُرّية هارون عليه السلام ، نزلوا المدينة في فِتن بني إسرائيل انتظاراً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان من أمرهم ما نصّ الله عليه . الثانية ـ : قوله تعالى : { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } الحشرُ الجمعُ وهو على أربعة أوجه : حشران في الدنيا وحشران في الآخرة أما الذي في الدنيا فقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } قال الزهريّ : كانوا من سبطٍ لم يصبهم جلاء ، وكان الله عز وجلّ قد كتب عليهم الجلاء فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا وكان أولُ حشْر حُشِروا في الدنيا إلى الشام . قال ابن عباس وعكرمة : من شك أن المحشر في الشام فليقرأ هذه الآية : وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : " « اخرجوا » قالوا إلى أين ؟ قال : « إلى أرض المحشر » " قال قتادة : هذا أوّل المحشر . قال ابن عباس : هم أول من حشر من أهل الكتاب وأُخرج من دياره . وقيل : إنهم أخرجوا إلى خَيْبر ، وأن معنى { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } إخراجهم من حصونهم إلى خيبر ، وآخره إخراج عمر رضي الله عنه إياهم من خَيْبر إلى نجد وأذرِعات . وقيل تيماء وأريحاء ، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم . وأما الحشر الثاني : فحشرهم قرب القيامة . قال قتادة : تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، تَبِيت معهم حيث باتوا ، وتَقِيل معهم حيث قالوا ، وتأكل منهم من تخلّف . وهذا ثابت في الصحيح ، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . ونحوه روى ٱبن وهب عن مالك قال : قلت لمالك هو جلاؤهم من ديارهم ؟ فقال لي : الحشر يوم القيامة حشر اليهود . قال : وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه فاستحلهم بذلك . قال ابن العربيّ : للحشر أوّل ووسط وآخر فالأول إجلاء بني النضير ، والأوسط إجلاء خيبر ، والآخر حشر يوم القيامة . وعن الحسن : هم بنو قُرَيظة . وخالفه بقية المفسرين وقالوا : بنو قُرَيظة ما حُشروا ولكنهم قتلوا . حكاه الثعلبي . الثالثة ـ : قال الكيا الطبريّ : ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن ، وإنما كان ذلك في أوّل الإسلام ثم نُسخ . والآن فلا بدّ من قتالهم أو سَبْيهم أو ضرب الجِزية عليهم . قوله تعالى : { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } يريد لعظم أمر اليهود ومنعتهم وقوّتهم في صدور المسلمين ، واجتماع كلمتهم . { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم } قيل : هي الوَطيح والنَّطاة والسُّلالم والكَتيبة . { مِّنَ ٱللَّهِ } أي من أمره . وكانوا أهل حَلْقة أي سلاح كثير وحصون منيعة فلم يمنعهم شيء منها . { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ } أي أمره وعذابه . { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي لم يظنوا . وقيل : من حيث لم يعلموا . وقيل : { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } بقتل كعب بن الأشرف قاله ابن جُريج والسُّدّي وأبو صالح . قوله تعالى : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } بقتل سيدهم كعب بن الأشرف وكان الذي قتله هو محمد بن مَسْلمة ، وأبو نائلة سِلْكان بن سلامة بن وَقْش وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعبّاد بن بِشر بن وَقْش ، والحارث بن أوْس بن معاذ ، وأبو عَبْس بن جبر . وخبره مشهور في السيرة . وفي الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نُصِرتُ بالرُّعب بين يدَيْ مسيرةِ شهر " فكيف لا يُنصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير . وهذه خصِّيصَى لمحمد صلى الله عليه وسلم دون غيره . قوله تعالى : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ } قراءة العامة بالتخفيف من أخرب أي يهدمون . وقرأ السُّلمِي والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو « يخرِّبون » بالتشديد من التخريب . قال أبو عمرو : إنما اخترت التشديد لأن الإخراب تركُ الشيء خراباً بغير ساكن ، وبنو النَّضير لم يتركوها خراباً وإنما خرّبوها بالهدم يؤيده قوله تعالى : { بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وقال آخرون : التخريب والإخراب بمعنى واحد ، والتشديد بمعنى التكثير . وحكى سيبويه : أن معنى فعّلت وأفعلت يتعاقبان نحو أخربته وخرّبته وأفرحته وفرّحته . واختار أبو عبيد وأبو حاتم الأولى . قال قتادة والضحاك : كان المؤمنون يخرّبون من خارج ليدخلوا ، واليهود يُخرّبون من داخل ليبنُوا به ما خُرِّب من حِصْنهم . فروي أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يكونوا عليه ولا له فلما ظهر يومَ بَدْر قالوا : هو النبيّ الذي نُعِت في التوراة ، فلا تُردّ له راية . فلما هُزِم المسلمون يوم أحُد ارتابوا ونكثوا ، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكباً إلى مكة ، فحالفوا عليه قريشاً عند الكعبة ، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كَعْباً غِيلةً ثم صبّحهم بالكتائب فقال لهم : اخرجوا من المدينة . فقالوا : الموت أحبّ إلينا من ذلك فتنادَوا بالحرب . وقيل : استمهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ليتجهزوا للخروج ، فدسّ إليهم عبدُ الله ابن أُبَيّ المنافق وأصحابه لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ، ولئن أُخرِجتم لنخرجنّ معكم . فدُرِّبُوا على الأزقة وحصّنوها إحدى وعشرين ليلةً ، فلما قذف الله في قلوبهم الرُّعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على ما يأتي بيانه . وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلّت الإبل كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرِّب المؤمنون باقيها . وعن ابن زيد أيضاً : كانوا يخرّبونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم . وقال ابن عباس : كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال ، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصّنوا فيها ، ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين . وقيل : ليسدّوا بها أزِقّتهم . وقال عكرمة { بِأَيْدِيهِمْ } في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذه المسلمون . وبـ « أيْدي المؤْمنين » في إخراب ظاهرها ليصلُوا بذلك إليهم . قال عكرمة : كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها » فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج . وقيل : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ } بنقض المواعدة { وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالمقاتلة قاله الزهري أيضاً . وقال أبو عمرو بن العلاء { بِأَيْدِيهِمْ } في تركهم لها . وبـ { وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } في إجلائهم عنها . قال ابن العربيّ : التناول للإفساد إذا كان باليد كان حقيقة ، وإذا كان بنقض العهد كان مجازاً إلا أنّ قول الزهري في المجاز أمْثل من قول أبي عمرو بن العلاء . قوله تعالى : { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } أي ٱتعظوا يا أصحاب العقول والألباب وقيل : يا من عاين ذلك ببصره فهو جمع للبصر . ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها . ومن وجوهه : أنه سلط عليهم من كان ينصرهم . ومن وجوهه أيضاً : أنهم هدموا أموالهم بأيديهم . ومن لم يعتبر بغيره ٱعتبر في نفسه . وفي الأمثال الصحيحة : « السَّعيد من وُعِظ بغيره » .