Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 112-112)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ } يُعَزِّي نبيّه ويسلّيه ، أي كما ابتليناك بهؤلاء القوم فكذلك جعلنا لكل نبي قَبْلَك { عَدُوّاً } أي أعداء . ثم نعتهم فقال : { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } حكى سيبويه جعل بمعنى وصف . « عَدُوًّا » مفعول أوّل . « لِكُلِّ نَبِيًّ » في موضع المفعول الثاني . « شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ » بدل من عدوّ . ويجوز أن يكون « شياطين » مفعولا أوّل ، « عدواً » مفعولا ثانياً كأنه قيل : جعلنا شياطين الإنس والجن عدوّاً . وقرأ الأعمش : « شياطين الجن والإنس » بتقديم الجن . والمعنى واحد . { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } عبارة عما يوسوس به شياطين الجن إلى شياطين الإنس . وسُمِّيَ وَحْياً لأنه إنما يكون خفية ، وجعل تمويههم زخرفاً لتزيينهم إياه ومنه سمي الذهب زخرفا . وكل شيء حسَن مُمَوّه فهو زُخْرُف . والمزخرَف المزيّن . وزخارف الماء طرائقه . و « غُرُوراً » نصب على المصدر ، لأن معنى « يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ » يغرونهم بذلك غروراً . ويجوز أن يكون في موضع الحال . والغرور الباطل . قال النحاس : ورُوي عن ٱبن عباس بإسناد ضعيف أنه قال في قول الله عز وجل : « يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ » قال : مع كل جني شيطان ، ومع كل إنسيّ شيطان ، فيلقى أحدهما الآخر فيقول : إني قد أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثله . ويقول الآخر مثل ذلك فهذا وحي بعضهم إلى بعض . وقاله عكرمة والضحاك والسُّدِّي والكَلْبي . قال النحاس : والقول الأوّل يدل عليه { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } [ الأنعام : 121 ] فهذا يبيّن معنى ذلك . قلت : ويدُلّ عليه من صحيح السنة قوله عليه السلام : " « ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قَرِينُه من الجن » قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : « ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير » " روى « فأسلم » برفع الميم ونصبها . فالرفع على معنى فأسلم من شره . والنصب على معنى فأسلم هو . فقال : « ما منكم من أحد » ولم يقل ولا من الشياطين إلا أنه يحتمل أن يكون نبّه على أحد الجنسين بالآخر فيكون من باب « سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ » وفيه بُعْدٌ ، والله أعلم . وروى عَوف بن مالك عن أبي ذَرٍّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " « يا أبا ذَرّ هل تعوّذت بالله من شرّ شياطين الإنس والجن » ؟ قال قلت : يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين ؟ قال : « نعم هم شرٌ من شياطين الجن » " وقال مالك بن دِينار : إن شيطان الإنس أشدّ عليّ من شيطان الجن ، وذلك أني إذا تعوّذت بالله ذهب عني شيطان الجن ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرّني إلى المعاصي عِياناً . وسَمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ٱمرأة تنشد : @ إن النساء رَياحين خلقن لكم وكلُّكم يشتهِي شمّ الرياحين @@ فأجابها عمر رضي الله عنه : @ إن النساء شياطين خُلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين @@ قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } أي ما فعلوا إيحاء القول بالغرور . { فَذَرْهُمْ } أمْرٌ فيه معنى التهديد . قال سيبويه : ولا يقال وَذَر ولا وَدَع ، استغنَوْا عنهما بترك . قلت : هذا إنما خرج على الأكثر . وفي التنزيل : « وَذَرِ الَّذِينَ » و « ذَرْهم » و « مَا وَدَعَكَ » . وفي السنة : « لينتهيَنّ أقوام عن وَدْعِهم الجُمُعات » . وقوله : « إذا فعلوا يريد المعاصي فقد تُوُدِّع منهم » . قال الزجاج : الواو ثقيلة فلما كان « ترك » ليس فيه واو بمعنى ما فيه الواو تُرِك ما فيه الواو . وهذا معنى قوله وليس بنصِّه .