Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } الآية خبر ، وفي معناه قولان : أحدهما وهو الأشهر ، وعليه من الخلق الأكثر ، أن المراد آدم عليه السلام والخلق نَسْله ، والفرع يضاف إلى أصله فلذلك قال : « خَلَقَكُمْ » بالجمع فأخرجه مخرج الخطاب لهم إذ كانوا ولده هذا قول الحسن وقَتَادة وٱبن أبي نَجِيح والسُّديّ والضّحاك وٱبن زيد وغيرهم . الثاني أن تكون النطفة خلقها الله من طين على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها ذكره النحاس . قلت : وبالجملة فلما ذكر جل وعز خلق العالم الكبير ذكر بعدهُ خلق العالم الصغير وهو الإنسان ، وجعل فيه ما في العالم الكبير ، على ما بينّاه في « البقرة » في آية التوحيد والله أعلم والحمد لله . وقد روى أبو نعيم الحافظ في كتابه عن مُرَّة عن ٱبن مسعود أن المَلك الموكَّل بالرَّحم يأخذ النطفة فيضعها على كفه ثم يقول : يا رب مُخلّقة أو غير مخلّقة ؟ فإن قال مُخلّقة قال : يا رب ما الرزق ، ما الأثر ، ما الأجل ؟ فيقول : ٱنظر في أُمّ الكتاب ، فينظر في اللوح المحفوظ فيجد فيه رزقه وأثره وأجله وعمله ، ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته فذلك قوله تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [ طه : 55 ] . وخرّج عن أبي هُريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلا وقد ذُرَّ عليه من تُراب حُفْرته " . قلت : وعلى هذا يكون كل إنسان مخلوقاً من طين وماء مهين ، كما أخبر جل وعز في سورة « المؤمنون » فتنتظم الآيات والأحاديث ، ويرتفع الإشكال والتعارض ، والله أعلم . وأما الإخبار عن خلق آدم عليه السلام فقد تقدّم في « البقرة » ذكره وٱشتقاقه ، ونزيد هنا طرفاً من ذلك ونعته وسِنِّه ووفاته ذكر ٱبن سعد في « الطَّبقات » عن أبي هُريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الناس ولد آدم وآدم من التراب " وعن سعيد بن جُبير قال : خلق الله آدم عليه السلام من أرض يقال لها دَجْنَاء قال الحسن : وخلق جُؤْجُؤه من ضَرِيّة قال الجوهريّ : ضَرِيَّة قرية لبني كلاب على طريق البصرة وهي إلى مكة أقرب ، وعن ٱبن مسعود قال : « إن الله تعالى بعث إبليس فأخذ من أَدِيم الأرض من عَذْبها وما لحها فخلق منه آدم عليه السلام فكل شيء خلقه من عَذْبها فهو صائر إلى الجنة وإن كان ٱبن كافر ، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى النار وإن كان ٱبن تقيّ فمن ثَمّ قال إبليس : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] لأنه جاء بالطينة فسمى آدم لأنه خلق من أَدِيم الأرض . وعن عبد الله بن سَلاَم قال : خلق الله آدم في آخر يوم الجمعة . وعن ابن عباس قال : لما خلق الله آدم كان رأسه يَمسُّ السماء قال فوَطَده إلى الأرض حتى صار ستين ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً . وعن أُبيّ بن كعب قال : كان آدم عليه السلام طُوَالاً جَعْدا كأنه نخلة سَحُوق . وعن ٱبن عباس في حديث فيه طول وحج آدم عليه السلام من الهند إلى مكة أربعين حجة على رجليه ، وكان آدم حين أُهبِط تمسح رأسه السماء فمن ثم صَلِع وأورث ولده الصَّلَع ، ونَفَرت من طوله دواب البرّ فصارت وحشا من يومئذ ، ولم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاً ، وتُوفي على ذِرْوة الجبل الذي أنزل عليه ، فقال شيث لجبريل عليهما السلام : « صَلِّ على آدم » فقال له جبريل عليه السلام : تقدّم أنت فَصَلِّ على أبيك وكَبِّر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأما خمس فهي الصلاة ، وخمس وعشرون تفضيلاً لآدم . وقيل : كبّر عليه أربعاً فجعل بنو شيث آدم في مغارة وجعلوا عليها حافظاً لا يقربه أحد من بني قابيل ، وكان الذين يأتونه ويستغفرون له بنو شيث ، وكان عمر آدم تسعمائة سنة وستا وثلاثين سنة . ويقال : هل في الآية دليل على أن الجواهر من جنس واحد ؟ الجواب نعم لأنه إذا جاز أن ينقلب الطين إنساناً حياً قادراً عليما ، جاز أن ينقلب إلى كل حال من أحوال الجواهر لتسوية العقل بين ذلك في الحكم ، وقد صح ٱنقلاب الجماد إلى الحيوان بدلالة هذه الآية . قوله تعالى : { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } مفعول . { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } ٱبتداء وخبر . قال الضحاك : « أَجَلاً » في الموت { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } أجل القيامة فالمعنى على هذا : حَكَم أجلاً ، وأعلمكم أنكم تقيمون إلى الموت ولم يعلمكم بأجل القيامة . وقال الحسن ومجاهد وعِكْرمة وخصيف وقَتَادة وهذا لفظ الحسن ـ : قضى أجل الدنيا من يوم خلقك إلى أن تموت { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } يعني الآخرة . وقيل : { قَضَىۤ أَجَلاً } ما أُعلمناه من أنه لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَأَجَلٌ مُّسمًّى } من الآخرة . وقيل : { قَضَىۤ أَجَلاً } مما نعرفه من أوقات الأهلّة والزرع وما أشبههما ، { وَأَجَلٌ مُّسمًّى } أجل الموت لا يعلم الإنسان متى يموت . وقال ٱبن عباس ومجاهد : معنى الآية { قَضَىۤ أَجَلاً } بقضاء الدنيا ، { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } لابتداء الآخرة . وقيل : الأوّل قبض الأرواح في النوم ، والثاني قبض الروح عند الموت عن ابن عباس أيضاً . قوله تعالى : { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } ٱبتداء وخبر : أي تَشكُّون في أنه إله واحد . وقيل : تمارون في ذلك أي تجادلون جدال الشَّاكِّين والتَّمَاري المجادلة على مذهب الشّك ومنه قوله تعالى : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] .