Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس : إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمناً وكافراً . وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ قال : خَطَبَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم عَشِيّةً فذكر شيئاً مما يكون فقال : " يولد الناس على طبقات شتىَّ . يولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت مؤمناً . ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت كافراً . ويولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت كافراً . ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت مؤمناً " وقال ابن مسعود : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً " وفي الصحيح من حديث ابن مسعود : " وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبِق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " خرّجه البخاري والترمذي وليس فيه ذكر الباع . وفي صحيح مُسْلم عن سهل بن سعد السّاعديّ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يَبْدُو للناس وهو من أهل النار . وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة " قال علماؤنا : والمعنى تعلّق العلم الأزلي بكل معلوم فيجري ما علم وأراد وحكم . فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال ، وقد يريده إلى وقت معلوم . وكذلك الكفر . وقيل في الكلام محذوف : فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه قاله الحسن . وقال غيره : لا حذف فيه لأن المقصود ذكر الطرفين . وقال جماعة من أهل العلم : إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا . قالوا : وتمام الكلام { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } . ثم وصفهم فقال : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } كقوله تعالى : { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } [ النور : 45 ] الآية . قالوا : فالله خلقهم ، والمَشْي فعلهم . واختاره الحسين بن الفضل ، قال : لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } . واحتجوا : بقوله عليه الصلاة والسلام : " كل مولود يولد على الفِطرة فأبَوَاه يُهوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه " الحديث . وقد مضى في « الروم » مستوفى . قال الضحاك : فمنكم كافر في السِّر مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في السِّر كافر في العلانية كَعمّار وذَوِيه . وقال عطاء بن أبي رَبَاح : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب يعني في شأن الأنواء . وقال الزجاج وهو أحسن الأقوال ، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة ـ : إن الله خلق الكافر ، وكُفْرُه فِعْلٌ له وكسب مع أن الله خالق الكفر . وخلق المؤمن ، وإيمانه فعلٌ له وكسب مع أن الله خالق الإيمان . والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعَلمه منه . ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدّر عليه وعلمه منه لأن وجود خلاف المقدور عَجْزٌ ، ووجود خلاف المعلوم جَهْلٌ ، ولا يَلِيقان بالله تعالى . وفي هذا سلامة من الجبر والقدر كما قال الشاعر : @ يا ناظراً في الدِّين ما الأمْرُ لا قَدْرٌ صحّ ولا جَبْرُ @@ وقال سِيلان : قَدِم أعرابي البصرة فقيل له : ما تقول في القدر ؟ فقال : أمرٌ تغالت فيه الظنون ، واختلف فيه المختلفون فالواجب أن نَرُدّ ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه .