Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 4-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ } . فيه سبع مسائل : الأولى ـ : قوله تعالى : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } لما بين أمر الطلاق والرّجعة في التي تحيض ، وكانوا قد عرفوا عِدّة ذوات الأقراء ، عرفهم في هذه السورة عدّة التي لا ترى الدم . وقال أبو عثمان عمر بن سالم : لما نزلت عدّة النساء في سورة « البقرة » في المطلقة والمتوفى عنها زوجها قال أبَّي بن كعب : يا رسول الله ، إن ناساً يقولون قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء : الصغار وذوات الحمل ، فنزلت : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } الآية . وقال مقاتَل : لما ذكر قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } قال خَلاّد بن النعمان : يا رسول الله ، فما عِدّة التي لم تَحِض ، وعِدّة التي انقطع حَيْضُها ، وعدّة الحبلى ؟ فنزلت : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } يعني قَعدن عن المحيض . وقيل : إن معاذ بن جَبل سأل عن عدّة الكبيرة التي يئست فنزلت الآية . والله أعلم . وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة لا تَدري دَمَ حَيْض هو أو دم عِلة . الثانية ـ : قوله تعالى : { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي شككتم ، وقيل تَيَقَّنتم . وهو من الأضداد يكون شكّاً ويقيناً كالظنّ . واختيار الطبري أن يكون المعنى : إن شككتم ، فلم تدروا ما الحكم فيهنّ . وقال الزجاج : إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها . القشيريّ : وفي هذا نظر لأنّا إذا شككنا هل بلغت سِن اليأس لم نقل عدتها ثلاثة أشهر . والمعتبر في سن اليأس في قول : أقصى عادة امرأة في العالم ، وفي قولٍ : غالب نساء عشيرة المرأة . وقال مجاهد : قوله { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } للمخاطبين يعني إن لم تعلموا كم عدّة اليائسة والتي لم تحض فالعِدّة هذه . وقيل : المعنى إن ارتبتم أن الدم الذي يظهر منها من أجل كِبر أو من الحيض المعهود أو من الاستحاضة فالعدة ثلاثة أشهر . وقال عكرمة وقتادة : من الرِّيبة المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض تحيض في أوّل الشهر مراراً وفي الأشهر مرة . وقيل : إنه متصل بأول السورة . والمعنى : لا تُخرجوهن من بيُوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدّة . وهو أصح ما قيل فيه . الثالثة ـ : المرتابة في عدتها لا تنكح حتى تستبرىء نفسها من رِيبتها ، ولا تخرج من العدة إلا بارتفاع الريبة . وقد قيل في المرتابة التي ترفعها حيضتها وهي لا تدري ما ترفعها : إنها تنتظر سنة من يوم طلقها زوجها منها تسعة أشهر استبراء ، وثلاثة عدة . فإن طلقها فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر ، ثم ثلاثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حَلّت للأزواج . وهذا قاله الشافعي بالعراق . فعلى قياس هذا القول تقيم الحُرّة المُتَوَفى عنها زوجها المستبرأة بعد التسعة أشهر أربعة أشهر وعشراً ، والأمةُ شهرين وخمس ليال بعد التسعة الأشهر . وروي عن الشافعي أيضاً أن أقراءها على ما كانت حتى تبلغ سن اليائسات . وهو قول النَّخَعِي والثَّوري وغيرهما ، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق . فإن كانت المرأة شابة وهي : المسألة الرابعة ـ : اسْتُؤْني بها هل هي حامل أم لا فإن استبان حملها فإن أجَلها وَضْعه . وإن لم يَسْتَبِن فقال مالك : عِدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سَنَةٌ . وبه قال أحمد وإسحاق ورَووْه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره . وأهل العراق يَرَوْن أن عدتها ثلاثُ حِيض بعد ما كانت حاضت مرة واحدة في عمرها ، وإن مكثت عشرين سنة ، إلا أن تبلغ من الكبر مبلغاً تيأس فيه من الحيض فتكون عدتها بعد الإياس ثلاثةَ أشهر . قال الثعلبيّ : وهذا الأصح من مذهب الشافعي وعليه جمهور العلماء . وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه . قال الكِيا : وهو الحق لأن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر والمرتابة ليست آيسة . الخامسة ـ : وأمّا من تأخّر حَيْضها لمرض فقال مالك وابن القاسم وعبد الله بن أصْبَغ : تعتدّ تسعة أشهر ثم ثلاثة . وقال أشهب : هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسَّنة . وقد طلّق حَبّان بن مُنقِذ امرأته وهي تُرْضع فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع ، ثم مرِض حَبّان فخاف أن ترثه فخاصمها إلى عثمان وعنده عليّ وزيد ، فقالا : نرى أن تَرِثه لأنها ليست من القواعد ولا من الصغار فمات حَبّان فورِثته واعتدّت عِدة الوفاة . السادسة ـ : ولو تأخر الحيض لغير مرض ولا رضاع فإنها تنتظر سنة لا حَيض فيها ، تسعة أشهر ثم ثلاثة على ما ذكرناه . فتحِلّ ما لم تَرْتَب بحَمْل فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام ، أو خمسة ، أو سبعة على اختلاف الروايات عن علمائنا . ومشهورها خمسة أعوام فإن تجاوزتها حَلَّت . وقال أشهب : لا تحلّ أبداً حتى تنقطع عنها الرِّيبة . قال ابن العربي : وهو الصحيح لأنه إذا جاز أن يبقى الولد في بطنها خمسة أعوام جاز أن يبقى عشرة وأكثر من ذلك . وقد رُوي عن مالك مثله . السابعة ـ : وأما التي جُهل حيضها بالاستحاضة ففيها ثلاثة أقوال : قال ابن المسيب : تعتدّ سنة . وهو قول الليث . قال الليث : عِدّة المطلّقة وعدّة المتوفى عنها زوجها إذا كانت مستحاضة سَنةٌ . وهو مشهور قول علمائنا سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها ، وَميّزت ذلك أو لم تميّزه ، عدّتها في ذلك كلّه عند مالك في تحصيل مذهبه سنَة منها تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدّة . وقال الشافعي في أحد أقواله : عدّتها ثلاثة أشهر . وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويّين . ابن العربيّ : وهو الصحيح عندي . وقال أبو عمر : المستحاضة إذا كان دمها ينفصل فعلِمت إقبال حيضتها أو إدبارها اعتدّت ثلاثة قُرُوء . وهذا أصحّ في النظر ، وأثبت في القياس والأثر . قوله تعالى : { وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } يعني الصغيرة فعدّتهن ثلاثة أشهر فأضمر الخبر . وإنما كانت عدّتها بالأشهر لعدم الأقراء فيها عادة ، والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات فهي تعتدّ بالأشهر . فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم لوجود الأصل ، وإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم كما أن المُسِنّة إذا اعتدّت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر . وهذا إجماع . قوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فيه مسألتان : الأولى ـ : قوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } وَضْعُ الحمل ، وإن كان ظاهراً في المطلقة لأنه عليها عُطف وإليها رجع عقب الكلام فإنه في المتوفَّى عنها زوجها كذلك لعموم الآية وحديث سُبَيْعة . وقد مضى في « البقرة » القول فيه مستوفى . الثانية ـ : إذا وضعت المرأة ما وضعت من عَلَقة أو مُضْغَة حَلّت . وقال الشافعيّ وأبو حنيفة : لا تحلُّ إلا بما يكون ولدا . وقد مضى القول فيه في سورة « البقرة » وسورة « الرعد » والحمد لله . قوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } قال الضحاك أي من يَتّقه في طلاق السُّنة يجعل له من أمره يسراً في الرجعة . مقاتل : ومن يَتّق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يُسْراً في توفيقه للطاعة . { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي الذي ذُكر من الأحكام أمْرُ الله أنزله إليكم وبَيَّنه لكم . { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } أي يعمل بطاعته . { يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ } من الصلاة إلى الصلاة ، ومن الجمعة إلى الجمعة . { وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } أي في الآخرة .