Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ } قال أشهب عن مالك : يخرج عنها إذا طلّقها ويتركها في المنزل لقوله تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ } . فلو كان معها ما قال أسكنوهن . وقال ابن نافع : قال مالك في قول الله تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } . يعني المطلقات الّلاتي بِنَّ من أزواجهن فلا رَجْعَة لهم عليهن وليست حاملا ، فلها السُّكْنى ولا نفقة لها ولا كسوة ، لأنها بائن منه ، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها . وإن كانت حاملاً فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عِدّتها . فأما من لم تَبِنْ فإنهن نساؤهم يتوارثون ، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كُنّ في عِدتهن ، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن ، حوامل كن أو غير حوامل . وإنما أمر الله بالسكنى للاّئى بِنّ من أزواجهن مع نفقتهن ، قال الله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فجعل عز وجل للحوامل اللائي قد بِنّ من أزواجهن السكنى والنفقة . قال ابن العربي : وبَسْطُ ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السّكْنَى أطلقها لكل مطلَّقة ، فلما ذكر النفقة قيّدها بالحمل ، فدّل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها . وهي مسألة عظيمة قد مَهدنا سُبُلَها قرآنا وسُنَّةً ومعنى في مسائل الخلاف . وهذا مأخذها من القرآن . قلت : اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال ، فمذهب مالك والشافعيّ : أن لها السكنى ولا نفقة لها . ومذهب أبي حنيفة وأصحابه : أن لها السكنى والنفقة . ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثَوْر : أن لا نفقة لها ولا سكنى ، على : " حديث فاطمة بنت قيس ، قالت : دخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أخو زوجي فقلت : إن زوجي طلقني وإن هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة ؟ قال : « بل لكِ السُّكْنَى ولكِ النفقة » . قال : إن زوجها طلّقها ثلاثاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة » . فلما قدمتُ الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك ، وإن أصحاب عبد الله يقولون : إن لها السكنى والنفقة " خرّجه الدَّارَقُطْنِيّ . ولفظ مسلم عنها : " أنه طلّقها زوجها في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان أنفق عليها نفقة دُونٍ ، فلما رأت ذلك قالت : والله لأُعْلِمَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئاً . قالت : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « لا نفقة لكِ ولا سكْنى » " وذكر الدارَقُطْنيّ عن الأسود قال : قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس : لا نجيز في المسلمين قول امرأة . وكان يجعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة . وعن الشعبي قال : لَقِيَني الأسود بن يزيد فقال . يا شَعْبي ، اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة . قلت : لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : ما أحسن هذا . وقد قال قتادة وابن أبي لَيْلَى : لا سكنى إلاّ للرجعية لقوله تعالى : { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } ، وقوله تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ } راجع إلى ما قبله ، وهي المطلقة الرجعية . والله أعلم . ولأن السكنى تابعةٌ للنفقة وجاريةٌ مجراها فلما لم تجِب للْمَبْتُوتَة نفقة لم يجب لها سكنى . وحجة أبي حنيفة أن للمبتوتة النفقة قوله تعالى : { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } وترك النفقة من أكبر الأضرار . وفي إنكار عمر على فاطمة قولها ما يبيّن هذا ، ولأنها معتدّة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية ، ولأنها محبوسة عليه لحقّه فاستحقت النفقة كالزوجة . ودليل مالك قوله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ } الآية . على ما تقدم بيانه . وقد قيل : إن الله تعالى ذكر المطلقة الرجعية وأحكامها أوّل الآية إلى قوله : { ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } ثم ذكر بعد ذلك حُكْما يعم المطلقات كلّهن من تعديد الأشهر وغير ذلك . وهو عام في كل مطلقة فرجع ما بعد ذلك من الأحكام إلى كل مطلقة . الثانية ـ : قوله تعالى : { مِّن وُجْدِكُمْ } أي من سعَتكم يقال وَجَدْتُ في المال أَجِدُ وُجْداً ووَجْداً ووِجْداً وجِدَةً . والوِجْد : الغنى والمقدرة . وقراءة العامة بضم الواو . وقرأ الأعرج والزهري بفتحها ، ويعقوب بكسرها . وكلها لغات فيها . الثالثة ـ : قوله تعالى : { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } قال مجاهد : في المسكن مُقاتل : في النفقة وهو قول أبي حنيفة . وعن أبي الضحى : هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدّتها راجعها ثم طلّقها . الرابعة ـ : قوله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } لا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلّقة ثلاثاً أو أقلّ منهن حتى تضع حملها . فأما الحامل الْمُتَوَفىَّ عنها زوجها فقال عليّ وابن عمر وابن مسعود وشُرَيح والنَّخَعيّ والشَّعْبي وحمّاد وابن أبي لَيْلَى وسُفيان والضّحاك : يُنفق عليها من جميع المال حتى تضع . وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعيّ وأبو حنيفة وأصحابهم : لا ينفق عليها إلا من نصيبها . وقد مضى في « البقرة » بيانه . قوله تعالى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } فيه أربع مسائل : الأولى ـ : قوله تعالى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } يعني المطلقات أولادكم منهن فعلى الآباء أن يعطوهنّ أجرة إرضاعهن . وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهنّ ما لم يَبِن . ويجوز عند الشافعي . وتقدّم القول في الرضاع في « البقرة » و « النساء » مستوفى ولله الحمد . الثانية ـ : قوله تعالى : { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } هو خطاب للأزواج والزوجات أي ولْيَقْبَل بعضكم من بعض ما أمره به من المعروف الجميل . والجميل منها إرضاع الولد من غير أجرة . والجميل منه توفير الأجرة عليها للإرضاع . وقيل : ائتمروا في رضاع الولد فيما بينكم بمعروف حتى لا يلحق الولد إضرار . وقيل : هو الكسوة والدِّثار . وقيل : معناه لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده . الثالثة ـ : قوله تعالى : { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ } أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأمّ رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها وليستأجر مرضعة غير أمّه . وقيل : معناه وإن تضايقتم وتشاكستم فلسيترضع لولده غيرها وهو خبر في معنى الأمر . وقال الضحاك : إن أبت الأمّ أن ترضع استأجر لولدها أخرى ، فإن لم يقبل أجبرت أمّه على الرضاع بالأجر . وقد اختلف العلماء فيمن يجب عليه رضاع الولد على ثلاثة أقوال : قال علماؤنا : رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه يومئذ في ماله . الثاني قال أبو حنيفة : لا يجب على الأمّ بحال . الثالث يجب عليها في كل حال . الرابعة ـ : فإن طلقها فلا يلزمها رضاعه إلا أن يكون غير قابل ثَدْي غيرها فيلزمها حينئذ الإرضاع . فإن اختلفا في الأجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الأب إلا تَبَرُّعاً فالأمّ أوْلى بأجر المثل إذا لم يجد الأب متبرعاً . وإن دعا الأب إلى أجر المثل وامتنعت الأم لتطلب شططاً فالأب أوْلى به . فإن أعسر الأب بأجرتها أخذت جبراً برضاع ولدها .