Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 7-7)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى ـ : قوله تعالى : { لِيُنفِقْ } أي لينفق الزوج على زوجته وعلى ولده الصغير على قدر وُسعه حتى يوسّع عليهما إذا كان مُوَسَّعاً عليه . ومن كان فقيراً فعلى قدر ذلك . فتقدّر النفقة بحسب الحالة من المنفِق والحاجة من المنفَق عليه بالاجتهاد على مجرى حياة العادة فينظر المفتي إلى قدر حاجة المنفَق عليه ثم ينظر إلى حالة المنفِق ، فإن احتملت الحالة أمضاها عليه ، فإن اقتصرت حالته على حاجة المنفق عليه ردّها إلى قدر احتماله . وقال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه وأصحابه : النفقة مقدّرة محدّدة ، ولا اجتهاد لحاكم ولا لِمُفْتٍ فيها . وتقديرها هو بحال الزوج وحده من يُسْره وعُسْره ، ولا يعتبر بحالها وكفايتها . قالوا : فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس . فإن كان الزوج مُوسِراً لزمه مُدّان ، وإن كان متوسطاً فَمُدّ ونصف ، وإن كان معسِراً فَمُدّ . واستدلوا بقوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ } الآية . فجعل الاعتبار بالزوج في اليُسْر والعُسْر دونها ولأن الاعتبار بكفايتها لا سبيل إلى علمه للحاكم ولا لغيره فيؤدّي إلى الخصومة لأن الزوج يدّعي أنها تلتمس فوق كفايتها ، وهي تزعم أن الذي تطلب تطلبه قدر كفايتها فجعلناها مقدّرة قطعاً للخصومة . والأصل في هذا عندهم قوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ } كما ذكرنا ـ ، وقوله : { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدْرُهُ } [ البقرة : 236 ] . والجواب أن هذه الآية لا تعطي أكثر من فرق بين نفقة الغنيّ والفقير ، وإنها تختلف بُعْسر الزوج ويُسْره . وهذا مُسَلَّم . فأما إنه لا اعتبار بحال الزوجة على وجهه فليس فيه ، وقد قال الله تعالى : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 233 ] وذلك يقتضي تعلّق المعروف في حقهما لأنه لم يخص في ذلك واحداً منهما . وليس من المعروف أن يكون كفاية الغنيّة مثل نفقة الفقيرة : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند : " خُذِي ما يكْفيِك وولدكِ بالمعروف " فأحالها على الكفاية حين علم السَّعة من حال أبي سفيان الواجب عليه بطلبها ، ولم يقل لها لا اعتبار بكفايتك وأن الواجب لك شيء مقدّر ، بل ردّها إلى ما يعلمه من قدر كفايتها ولم يعلقه بمقدار معلوم . ثم ما ذكروه من التحديد يحتاج إلى توقيف والآية لاتقتضيه . الثانية ـ : روي أن عمر رضي الله عنه فرض للمنفوس مائة درهم ، وفرض له عثمان خمسين درهماً . ابن العربيّ : « واحتمل أن يكون هذا الاختلاف بحسب اختلاف السنين أو بحسب حال القدر في التسعير لثمن القوت والملبس ، وقد روى محمد بن هلال المُزَنيّ قال : حدّثني أبي وجدّتي أنها كانت ترِد على عثمان ففقدها فقال لأهله : ما لي لا أرى فلانة ؟ فقالت امرأته : يا أمير المؤمنين ، ولدت الليلة فبعث إليها بخمسين درهماً وشُقَيْقَة سُنْبُلانيّة . ثم قال : هذا عطاء ابنك وهذه كسوته ، فإذا مَرّت له سنة رفعناه إلى مائة . وقد أُتيَ عليّ رضي الله عنه بمنبوذ ففرض له مائة . قال ابن العربيّ : « هذا الفرض قبل الفِطام مما اختلف فيه العلماء فمنهم من رآه مستحباً لأنه داخل في حكم الآية ، ومنهم من رآه واجباً لما تجدّد من حاجته وعَرض من مؤونته وبه أقول . ولكن يختلف قدره بحاله عند الولادة وبحاله عند الفطام . وقد روى سفيان بن وهب أن عمر أخذ المُدّ بيدٍ والقِسْط بيد فقال : إني فرضت لكل نفس مسلمة في كل شهر مُدَّيْ حِنْطة وقِسْطَيْ خَلٍّ وقِسْطَيْ زيت . زاد غيره : وقال إنا قد أَجْرَيْنَا لكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل شهر ، فمن انتقصها فعل الله به كذا وكذا فدعا عليه . قال أبو الدَّرْداء : كم سُنّة راشدة مَهْديّة قد سَنّها عمر رضي الله عنه في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ! والمُدّ والقسْط كيلان شامِيَّان في الطعام والإدام وقد دُرِسَا بعرف آخر . فأما المُدّ فَدُرِس إلى الكَيْلَجَة . وأما القِسْط فدُرِس إلى الكيل ، ولكن التقدير فيه عندنا رُبعان في الطعام وثُمنان في الإدام . وأما الكسوة فبقدر العادة قميصٌ وسراويل وجُبَّة في الشتاء وكساء وإزار وحصير . وهذا الأصل ، ويتزيد بحسب الأحوال والعادة » . الثالثة ـ : هذه الآية أصل في وجوب النفقة للولد على الوالد دون الأم خلافاً لمحمد بن الموّاز يقول : إنها على الأبوين على قدر الميراث . ابن العربيّ : ولعلّ محمداً أراد أنها على الأم عند عدم الأب . وفي البخاريّ : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " تقول لك المرأة أنفق عليّ وإلا فطلقني ويقول لك العبد أنفق عليّ واستعملني ويقول لك ولدك أنفق عليّ إلى من تَكِلُنِي " فقد تعاضد القرآن والسُّنّة وتواردا في شِرْعة واحدة . الرابعة ـ : قوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا } أي لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغنيّ . { سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } أي بعد الضيق غِنىً ، وبعد الشدّة سَعَة .