Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 4-4)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } قال ٱبن عباس ومجاهد : على خُلُقٍ ، على دينٍ عظيم من الأديان ، ليس دين أحبّ إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه . وفي صحيح مسلم عن عائشة : أن خُلُقه كان القرآن . وقال عليّ رضي الله عنه وعَطِيّة : هو أدب القرآن . وقيل : هو رِفْقه بأمّته وإكرامُه إيّاهم . وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهى عنه مما نهى الله عنه . وقيل : أي إنك على طبع كريم . الماورديّ : وهو الظاهر . وحقيقة الخُلُق في اللغة : هو ما يأخذ به الإنسانُ نفسَه من الأدب يُسَمَّى خُلُقاً لأنه يصير كالخِلْقة فيه . وأما ما طُبع عليه من الأدب فهو الخِيم بالكسر : السَّجِيَّة والطبيعة ، لا واحد له من لفظه . وخِيم : اسم جبل . فيكون الخُلُق الطبعَ المتكلَّف . والخِيم الطبع الغريزي . وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال : @ وإذا ذُو الفضول ضَنَّ على المَوْ لَى وعادت لخِيمها الأخلاقُ @@ أي رجعت الأخلاق إلى طبائعها . قلت : ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصحّ الأقوال . وسئلت أيضاً عن خُلُقه عليه السلام فقرأت { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } إلى عشر آيات ، وقالت : ما كان أحد أحسن خُلُقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لَبَّيْك ، ولذلك قال الله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } . ولم يُذكر خُلُقٌ محمود إلا وكان للنبيّ صلى الله عليه وسلم منه الحظّ الأوفر . وقال الجُنَيْد : سُمِّيَ خلقه عظيماً لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى . وقيل سُمِّيَ خلقه عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه يدلّ عليه قوله عليه السلام : " إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق " وقيل : لأنه ٱمتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] " وقد روي عنه عليه السلام أنه قال : « أدّبني ربي تأديباً حسناً إذ قال : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } فلما قبلت ذلك منه قال : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } " . الثانية : روى الترمذِيّ عن أبي ذَرٍّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ٱتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تَمْحُها وخالق الناس بِخُلُق حَسَن " قال حديث حسن صحيح . وعن أبي الدَّرْدَاء : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " ماشيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُق حَسَن وإن الله تعالى لَيُبْغِض الفاحش البذيء " قال : حديث حسن صحيح . وعنه قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حُسْنِ الخُلُق وإن صاحب حُسنِ الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم " قال : حديث غريب من هذا الوجه . وعن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدْخِل الناسَ الجنة ؟ فقال : « تقوى الله وحسن الخُلُق » . وسئل عن أكثر ما يُدْخِل الناس النار ؟ فقال : « الفَم والفَرْج » " قال : هذا حديث صحيح غريب . وعن عبد الله بن المبارك أنه وصف حُسْن الخُلُق فقال : هو بسط الوجه ، وبذل المعروف ، وكَفّ الأذى . وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ مِن أحبكم إليّ وأقربكم منّي مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً قال وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدَكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدّقون والْمُتَفَيْهِقُون " قالوا : يا رسول الله ، قد عَلِمْنا الثرثارون والمتشدّقون ، فما المتفيهقون ؟ قال : « المتكبرون » . قال : وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .