Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 51-51)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } « إنْ » هي المخففة من الثقيلة . { لَيُزْلِقُونَكَ } أي يعتانونك . { بِأَبْصَارِهِمْ } أخبر بشدّة عداوتهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حُجَجِه . وقيل : كانت العين في بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمرّ بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية ، خذي المِكَلّ والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فُتنْحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخِباء فتمرّ به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه ! فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة . فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم فلما مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنشد : @ قد كان قومك يحسبونك سيّداً وإخال أنك سيّدٌ مَعْيُونُ @@ فعصَم الله نبيّه صلى الله عليه وسلم ونزلت : { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ } . وذكر نحوه الماوردي . وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحداً يعني في نفسه وماله تجوّع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال القُشَيْرِي : وفي هذا نظر لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ولهذا قال : { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن . قلت : أقوال المفسرين واللغَوِيّين تدلّ على ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالنظر إليه قَتْلُه . ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك . وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد « ليزهقونك » أي ليهلكونك . وهذه قراءة على التفسير من زهقت نفسه وأزهقها . وقرأ أهل المدينة « لَيَزْلِقُونَكَ » بفتح الياء . وضمها الباقون وهما لغتان بمعنىً يقال : زَلَقه يَزْلِقه وأزلقه يُزلقه إزلاقاً إذا نَحّاه وأبعده . وزَلَق رأسه يَزْلِقه زلقاً إذا حلقه . وكذلك أزلْقَه وزَلَّقه تزليقاً . ورجل زَلِق وزُمَلِق مثال هُدَبِد وزَمَالق وزُمّلِق بتشديد الميم وهو الذي يُنزِل قبل أن يجامع حكاه الجوهري وغيره . فمعنى الكلمة إذاً التنحية والإزالة وذلك لا يكون في حقّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته . قال الهَرَوِيّ : أراد لَيعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوةً لك . وقال ٱبن عباس : ينفذونك بأبصارِهم يقال : زَلَق السهمُ وزَهَق إذا نفذ وهو قول مجاهد . أي يَنْفذونك من شدّة نظرهم . وقال الكلبي : يَصْرَعونك . وعنه أيضاً والسُّدِّي وسعيد ابن جُبَير : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . وقال العَوْفِيّ : يَرْمُونك . وقال المُؤَرِّج : يُزيلونك . وقال النَّضْر بن شُميل والأخفش : يفتنونك . وقال عبد العزيز بن يحيـى : ينظرون إليك نظراً شزْراً بتحديق شديد . وقال ابن زيد : لَيَمَسُّونك . وقال جعفر الصادق : ليأكلونك . وقال الحسن وابن كَيْسان : ليقتلونك . وهذا كما يقال : صرعني بطرفه ، وقتلني بعينه . قال الشاعر : @ ترميك مَزْلَقَةُ العيون بطرفها وتَكِلُّ عنك نصالُ نَبْلِ الرامي @@ وقال آخر : @ يتقارضون إذا ٱلتقَوْا في مجلس نَظَراً يُزل مواطىء الأقدام @@ وقيل : المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك . وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا ، وأن المعنى الجامع : يصيبونك بالعين . والله أعلم .