Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 19-34)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } إعطاء الكتاب باليمين دليلٌ على النجاة . وقال ابن عباس : أوّلُ مَن يُعطَى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب ، وله شعاع كشعاع الشمس . قيل له : فأين أبو بكر ؟ فقال هيهات هيهات زَفَّته الملائكة إلى الجنة . ذكره الثعلبي . وقد ذكرناه مرفوعاً من حديث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب « التذكرة » . والحمد لله . { فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } أي يقول ذلك ثقةً بالإسلام وسروراً بنجاته لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح ، والشِّمال من دلائل الغَمّ . قال الشاعر : @ أبِينِي أفي يُمْنَى يَدَيْكِ جعلتِني فأفرح أم صيَّرتنِي في شمالِك @@ ومعنى : « هَاؤُمُ » تعالوا قاله ابن زيد . وقال مقاتل : هَلُمَّ . وقيل : أي خذوا ومنه الخبر في الربا « إلا هَاءَ وَهَاءَ » أي يقول كلّ واحد لصاحبه : خذ . قال ابن السِّكيّت والكسائي : العرب تقول هاءَ يا رجُل ٱقرأ ، وللاثنين هاؤما يا رجلان ، وهاؤم يا رجال ، وللمرأة هاءِ بكسر الهمزة وهاؤما وهاؤُمْنَ . والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف قاله القتيبي . وقيل : إن « هاؤم » كلمةٌ وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح . " روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عالٍ فأجابه النبيّ صلى الله عليه وسلم « هاؤم » " يطوّل صوته . « وَكِتَابِيَهْ » منصوب بـ « ـهاؤم » عند الكوفيين . وعند البصريين بـ « ـاقرءوا » لأنه أقرب العاملين . والأصل « كتابي » فأدخلت الهاء لتبيّن فتحة الياء ، وكان الهاء للوقف ، وكذلك في أخواته : « حِسَابِيَهْ ، وماليه ، وسلطانيه » وفي القارعة « ماهيه » . وقراءة العامة بالهاء فيهن في الوقف والوصل معاً لأنهنّ وقعن في المصحف بالهاء فلا تترك . واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السَّكْت ويوافق الخط . وقرأ ٱبن مُحَيْصِن ومجاهد وحميد ويعقوب بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف فيهن جُمَع . ووافقهم حمزة في « ماليه وسلطانيه » ، و « ماهيه » في القارعة . وجملة هذه الحروف سبعة . وٱختار أبو حاتم قراءة يعقوب ومن معه اتباعاً للغة . ومن قرأهن في الوصل بالهاء فهو على نية الوقف . { إِنِّي ظَنَنتُ } أي أيقنت وعلمت ، عن ابن عباس وغيره . وقيل : أي إني ظننت أن يؤاخذني الله بسيئاتي عذبني فقد تفضل عليّ بعفوه ولم يؤاخذني بها . قال الضحاك : كل ظَنٍّ في القرآن من المؤمن فهو يقين . ومن الكافر فهو شكّ . وقال مجاهد : ظَنُّ الآخرة يقين ، وظَنُّ الدنيا شكّ . وقال الحسن في هذه الآية : إن المؤمن أحسنَ الظن بربّه فأحسن العمل ، وإن المنافق أساء الظن بربّه فأساء العمل . { أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } أي في الآخرة ولم أنكر البعث يعني أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب ، لأنه تيقّن أن الله يحاسبه فعمل للآخرة . { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } أي في عَيش يرضاه لا مكروه فيه . وقال أبو عبيدة والفرّاء : « رَاضِيَةٍ » أي مرضية كقولك : ماء دافق أي مدفوق . وقيل : ذات رِضاً أي يرضى بها صاحبها . مثل لابِن وتامِر أي صاحب اللبن والتمر . وفي الصحيح : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " أنهم يعيشون فلا يموتون أبداً ويصحّون فلا يَمْرَضون أبداً ويَنْعَمون فلا يَرَوْن بؤساً أبداً ويَشبّون فلا يَهْرَمُون أبداً " { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } أي عظيمة في النفوس . { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } أي قريبة التناول ، يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما يأتي بيانه في سورة « الإنسان » . والقُطُوف جمعِ قطف بكسر القاف وهو ما يُقطف من الثمار . والقَطْف بالفتح المصدر . والْقِطَاف بالفتح والكسر وقت القطف . { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } أي يقال لهم ذلك . { هَنِيئَاً } لا تكدير فيه ولا تنغيص . { بِمَآ أَسْلَفْتُمْ } قدّمتم من الأعمال الصالحة . { فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } أي في الدنيا . وقال : « كُلُوا » بعد قوله : { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } لقوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ } و « مَن » يتضمن معنى الجمع . وذكر الضحاك أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزوميّ وقاله مقاتل . والآية التي تليها في أخيه الأسود بن عبد الأسد في قول ٱبن عباس والضحاك أيضاً قاله الثعلبيّ . ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه الآيات . ويعمّ المعنى جميع أهل الشقاوة وأهل السعادة يدل عليه قوله تعالى : « كُلُوا وَٱشْرَبُوا » . وقد قيل : إن المراد بذلك كلُّ من كان متبوعاً في الخير والشر . فإذا كان الرجل رأساً في الخير ، يدعو إليه ويأمر به ويكثر تَبَعه عليه ، دُعيَ بٱسمه وٱسم أبيه فيتقدّم ، حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض ، في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات فيبدأ بالسيئات فيقرأها فيُشْفِق ويصفرّ وجهه ويتغيّر لونه فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه « هذه سيئاتك وقد غفرت لك » فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً ، ثم يقلب كتابَه فيقرأ حسناتِه فلا يزداد إلا فرحاً حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه « هذه حسناتك قد ضُوعفت لك » فيبيض وجهه ويُؤْتى بتاج فيوضع على رأسه ، ويُكْسَى حُلَّتين ، ويُحلّى كل مفصل منه ويطول ستين ذراعاً وهي قامة آدم عليه السلام ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم وبشّرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا . فإذا أدبر قال : { هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } . قال الله تعالى : { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } أي مرضيّة قد رضيها { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } في السماء « قُطُوفُهَا » ثمارها وعناقيدها . « دَانَيِةٌ » أدنيت منهم . فيقول لأصحابه : هل تعرفوني ؟ فيقولون : قد غمرتك كرامة ، من أنت ؟ فيقول : أنا فلان بن فلان أبشّر كلَّ رجلٍ منكم بمثل هذا . { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } أي قدَّمتم في أيام الدنيا . وإذا كان الرجل رأساً في الشر ، يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه ، نودي بٱسمه وٱسم أبيه فيتقدم إلى حسابه ، فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات ، فيبدأ بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه « هذه حسناتك وقد رُدّت عليك » فيسودّ وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير ، ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزناً ، ولا يزداد وجهه إلاّ سواداً ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه « هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك » أي يضاعف عليه العذاب . ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل قال فيعظم للنار وتزرقّ عيناه ويسودّ وجهه ، ويكسى سرابيل القَطِرَان ويقال له : انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فينطلق وهو يقول : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } يتمنىّ الموت . { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } تفسير ابن عباس : هلكتْ عني حُجتي . وهو قول مجاهد وعِكرمة والسدّي والضحاك . وقال ابن زيد : يعني سلطانيه في الدنيا الذي هو المُلْك . وكان هذا الرجل مطاعاً في أصحابه قال الله تعالى : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } قيل : يبتدره مائة ألف مَلَك ثم تجمع يده إلى عنقه وهو قوله عز وجل : « فَغُلُّوهُ » أي شدّوه بالأغلال { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي اجعلوه يَصْلَى الجحيم { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً } الله أعلم بأيّ ذراع ، قاله الحسن . وقال ابن عباس : سبعون ذراعاً بذراع المَلَك . وقال نَوْف : كل ذراع سبعون باعاً ، وكل باع أبعد ما بينك وبين مكة . وكان في رحبة الكوفة . وقال مقاتل : لو أن حَلْقة منها وُضعت على ذُرْوة جبل لذاب كما يذوب الرّصاص . وقال كعب : إن حَلْقة من السلسلة التي قال الله تعالى ذرعها سبعون ذراعاً أن حلقة منها مثل جميع حديدِ الدنيا . { فَاسْلُكُوهُ } قال سفيان : بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه . وقاله مقاتل . والمعنى ثم ٱسلكوا فيه سلسلة . وقيل : تدخل عنقه فيها ثم يجرّ بها . وجاء في الخبر : أنها تدخل من دبره وتخرج من مَنْخِرَيْهِ . وفي خبر آخر : تدخل مِن فيه وتخرج من دبره ، فينادي أصحابه هل تعرفوني ؟ فيقولون لا ، ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت ؟ فينادي أصحابه أنا فلان بن فلان ، لكل إنسان منكم مثل هذا . قلت : وهذا التفسير أصح ما قيل في هذه الآية ، يدلّ عليه قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خَرّجه الترمذيّ . وقد ذكرناه في سورة « سبحان » فتأمله هناك . { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي على الإطعام ، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء . قال الشاعر : @ أكُفْراً بعد رَدّ الموت عنّي وبعد عطائك المائةَ الرِّتَاعَا @@ أراد بعد إعطائك . فبيّن أنه عُذّب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل ، كما عُذّب بسبب الكفر . والحَضُّ : التحريض والحَثّ . وأصل « طعام » أن يكون منصوباً بالمصدر المقدّر . والطعام عبارة عن العين ، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما . ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب . والتقدير على إطعام المطْعِم المسكين فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول .