Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 200-200)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأولىٰ لما نزل قوله تعالى : { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال عليه السلام : " كيف يا رب والغضب " ؟ فنزلت : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ } ونزغ الشيطان : وساوسه . وفيه لغتان : نزغ ونغز ، يقال : إياك والنُّزّاغ والنُّغّاز ، وهم المُوَرِّشُون . الزجاج : النَّزْغ أدْنىٰ حركة تكون ، ومن الشيطان أدْنىٰ وَسْوَسَة . قال سعيد بن المسيب : شهدت عثمان وعلياً وكان بينهما نَزْغٌ من الشيطان فما أبقىٰ واحدٌ منهما لصاحبه شيئاً ، ثم لم يَبْرَحَا حتى استغفر كل واحد منهما لصاحبه . ومعنىٰ { يَنَزَغَنَّكَ } : يصيبنّك ويعرض لك عند الغضب وسوسةٌ بما لا يحل . { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } أي ٱطلب النجاة من ذلك بالله . فأمر تعالىٰ أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به ولله المثل الأعلىٰ . فلا يستعاذ من الكلاب إلاّ بربِّ الكلاب . وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه : ما تصنع بالشيطان إذا سوّل لك الخطايا ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : هذا يطول ، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع ؟ قال : أكابده وأردّه جهدي . قال : هذا يطول عليك ، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفّه عنك . الثانية النّغْزُ والنَّزْغ والهَمْز والوَسْوَسَة سواء قال الله تعالىٰ : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } [ المؤمنون : 97 ] وقال : { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } [ الناس : 4 ] . وأصل النزغ الفساد يقال : نَزَغ بيننا أي أفسد . ومنه قوله : { نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] أي أفسد . وقيل : النزغ الإغواء والإغراء والمعنى متقارب . قلت : ونظير هذه الآية ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الشيطان أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ فليستعذ بالله ولْيَنْتَهِ " وفيه عن عبد الله قال : " سُئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال : « تلك مَحْضُ الإيمان » " وفي حديث أبي هريرة : " ذلك صَرِيح الإيمان " والصريح الخالص . وهذا ليس على ظاهره إذ لا يصح أن تكون الوسوسة نفسها هي الإيمان ، لأن الإيمان اليقين ، وإنما الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله تعالىٰ أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم . فكأنّه قال جَزَعُكم من هذا هو محض الإيمان وخالصه لصحة إيمانكم ، وعلمكم بفسادها . فسمَّى الوسوسة إيماناً لما كان دفعها والإعراض عنها والردّ لها وعدم قبولها والجزعُ منها صادراً عن الإيمان . وأما أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشيطان . وأما الأمر بالانتهاء فَعَن الركون إليها والإلتفات نحوها . فمن كان صحيح الإيمان واستعمل ما أمره به ربه ونبيه ونفعه وانتفع به . وأما من خالجته الشبهة وَغَلَب عليه الحِس ولم يقدر على الانفكاك عنها فلا بُدّ من مشافهته بالدليل العقليّ " كما قال صلى الله عليه وسلم للذي خالطته شبهةُ الإبل الجُرْب حين قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا عَدْوَى » " قال أعرابي : فما بال الإبل تكون في الرّمل كأنها الظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرَب أجربها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " فمن أعدى الأوّل " فٱستأصل الشبهة من أصلها . فلما يئس الشيطان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالإغراء والإضلال أخذ يشوش عليهم أوقاتهم بتلك الأَلْقيات . والوساوسُ : التُّرَّهَات فنفرت عنها قلوبهم وعظم عليهم وقوُعها عندهم فجاؤوا كما في الصحيح " فقالوا : يا رسول الله . إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به . قال : « أو قد وجدتموه » ؟ قالوا : نعم . قال : « ذلك صريح الإيمان » " رَغْماً للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الحجر : 42 ] . فالخواطر التي ليست بمستقرّة ولا ٱجْتَلَبتها الشبهةُ فهي التي تُدفَع بالإعراض عنها وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة . والله أعلم . وقد مضىٰ في آخر « البقرة » هذا المعنىٰ ، والحمد لله .