Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 201-202)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيـه مسألتان : الأولىٰ قوله تعالىٰ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } يريد الشرك والمعاصي . { إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ } هذه قراءة أهل البصرة وأهل مكة وقراءة أهل المدينة وأهلِ الكوفة « طَائِفٌ » . وروي عن سعيد بن جبير « طَيّفٌ » بتشديد الياء . قال النحاس : كلام العرب في مثل هذا « طَيْفٌ » بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يَطِيفُ . قال الكسائيّ : هو مخّفف من « طَيِّف » مثل مَيْتٌ ومَيِّتٌ . قال النحاس : ومعنىٰ « طَيْف » في اللغة ما يُتخيلَّ في القلب أو يُرَىٰ في النوم وكذا معنىٰ طائف . وقال أبو حاتم : سألت الأصْمَعيّ عن طَيّف فقال : ليس في المصادر فيعل . قال النحاس : ليس هو بمصدر ، ولكن يكون بمعنىٰ طائف . والمعنىٰ : إن الذين ٱتقوا المعاصي إذا لحقهم شيء تفكروا في قدرة الله عز وجل وفي إنعامه عليهم فتركوا المعصية وقيل : الطَّيْفُ والطّائِفُ معنيان مختلفان . فالأول التخيّل . والثاني الشيطان نفسه . فالأول مصدر طاف الخيال يَطُوف طَيْفاً ولم يقولوا من هذا طائف في اسم الفاعل . قال السهيلِيّ : لأنه تخَيُّل لا حقيقة له . فأما قوله : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ } [ القلم : 19 ] فلا يقال فيه : طيْفٌ لأنه اسم فاعل حقيقة ، ويقال : إنه جبريل . قال الزجاج : طفت عليهم أطوف ، وطاف الخيال يَطيف . وقال حسان : @ فَدَعْ هذا ولكن مَن لِطَيْف يُؤَرّقُني إذا ذهب العِشَاء @@ مجاهد : الطّيْف الغضب . ويسمىٰ الجنون والغضب والوسوسة طَيْفاً لأنه لَمَّةٌ من الشيطان تُشَبَّه بَلّمة الخيال . { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } أي منتهون . وقيل : فإذا هم على بصيرة . وقرأ سعيد بن جبير : « تَذَّكَّرُوا » بتشديد الذال . ولا وجه له في العربية ذكره النحاس . الثانية قال عصام بن المُصْطَلِق : دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ عليهما السلام ، فأعجبني سَمْتُه وحُسن رُوائه فأثار منِّي الحسد ما كان يُجِنّه صدري لأبيه من البُغْض فقلت : أنت ابن أبي طالب ! قال نعم . فبالغت في شتمه وشتم أبيه فنظر إليّ نظرة عاطفٍ رَؤوف ، ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } فقرأ إلى قوله : { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } ثم قال لي : خفِّض عليك ، أستغفر الله لي ولك ، إنك لو استعنتنا أعنّاك ، ولو استَرْفَدْتَنَا أرفدناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك . فتوسم فيَّ الندم على ما فرط منِّي فقال : { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } أمن أهل الشأم أنت ؟ قلت نعم . فقال : @ شِنْشِنَـةٌ أعْرِفُـها مـن أَخْـزَمِ @@ حَيَّاك الله وبيَّاك ، وعافاك ، وآداك انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك ، تجدنا عند أفضل ظنك ، إن شاء الله . قال عصام : فضاقت عليّ الأرض بما رَحُبَت ، وودِدت أنها ساخت بي ، ثم تسلّلْتُ منه لِوَاذاً ، وما على وجه الأرض أحبُّ إليّ منه ومن أبيه . قوله تعالىٰ : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } قيل : المعنىٰ وإخوان الشياطين وهم الفجّار من ضُلاّل الإنس تمدّهم الشياطين في الغيّ . وقيل للفجار إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم . وقد سبق في هذه الآية ذكر الشيطان . هذا أحسن ما قيل فيه وهو قول قتادة والحسن والضحاك . ومعنىٰ « لاَ يُقْصِرُونَ » أي لا يتوبون ولا يرجعون . وقال الزجاج : في الكلام تقديم وتأخير والمعنىٰ : والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصراً ولا أنفسهم ينصرون ، وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ لأنّ الكفار إخوان الشياطين . ومعنىٰ الآية : إن المؤمن إذا مسه طَيْف من الشيطان تنبَّه عن قُرْب فأما المشركون فيمدّهم الشيطان . و « لاَ يُقْصِرُونَ » قيل : يرجع إلى الكفار على القولين جميعاً . وقيل : يجوز أن يرجع إلى الشيطان . قال قتادة : المعنىٰ ثم لا يُقصرون عنهم ولا يرحمونهم . والإقصار : الانتهاء عن الشيء ، أي لا تقصر الشياطين في مدّهم الكفار بالغيّ . وقوله : { فِي ٱلْغَيِّ } يجوز أن يكون متصلاً بقوله : « يَمُدُّونَهُمْ » ويجوز أن يكون متصلاً بالإخوان . والغيّ : الجهل . وقرأ نافع « يُمِدُّونَهُمْ » بضم الياء وكسر الميم . والباقون بفتح الياء وضم الميم . وهما لغتان مَدّ وأمَدّ . ومَدّ أكثر ، بغير الألف قاله مكيّ . النحاس : وجماعة من أهل العربية ينكرون قراءة أهل المدينة منهم أبو حاتم وأبو عبيد ، قال أبو حاتم : لا أعرف لها وجهاً ، إلا أن يكون المعنىٰ يزيدونهم في الغيّ . وحكى جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيد أنه يقال إذا كَثّر شيء شيئاً بنفسه مدّه ، وإذا كثّرة بغيره قيل أمَدّه نحو { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاۤفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [ آل عمران : 125 ] . وحكي عن محمد بن يزيد أنه احتج لقراءة أهل المدينة قال : يقال مددت له في كذا أي زيّنته له واستدعيته أن يفعله . وأمددته في كذا أي أعنته برأي أو غير ذلك . قال مكيّ : والاختيار الفتح لأنه يقال : مددت في الشر ، وأمددت في الخير قال الله تعالىٰ : { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ البقرة : 15 ] . فهذا يدل على قوة الفتح في هذا الحرف لأنه في الشر ، والغيّ هو الشر ، ولأن الجماعة عليه . وقرأ عاصم الجَحْدَرِيّ « يُمَادُّونهُمْ فِي الغيّ » . وقرأ عيسىٰ بن عمر « يَقْصُرُونَ » بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف . والباقون « يُقْصِرُونَ » بضدّه . وهما لغتان . قال امرؤ القيس :