Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 36-39)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } قال الأخفش : مسرعين . قال : @ بمكّةَ أهلُها ولقد أراهم إليه مهطعيـن إلى السمـاع @@ والمعنى : ما بالهم يُسرعون إليك ويجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم . وقيل : أي ما بالهم مسرعين في التكذيب لك . وقيل : أي ما بال الذين كفروا يُسْرِعون إلى السماع منك ليعيبوك ويستهزئوا بك . وقال عطيّة : مهطعين : معرضين . الكلبيّ : ناظرين إليك تعجّباً . وقال قتادة : عامدين . والمعنى متقارب أي ما بالهم مسرعين عليك ، مادّين أعناقهم ، مدمني النظر إليك . وذلك من نظر العدوّ . وهو منصوب على الحال . نزلت في جمع من المنافقين المستهزئين ، كانوا يحضرونه عليه السلام ولا يؤمنون به . و « قِبَلَكَ » أي نحوك . { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي عن يمين النبيّ صلى الله عليه وسلم وشماله حِلَقاً حِلَقاً وجماعات . والعِزيِن : جماعات في تفرقة ، قاله أبو عبيدة . ومنه حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم " أنه خرج على أصحابه فرآهم حِلَقاً فقال : « مالي أراكم عزين ألاَ تَصُفّون كما تَصُفّ الملائكة عند ربّها قالوا : وكيف تَصُفّ الملائكة عند ربّها ؟ قال ـ : يُتِمُّون الصفوفَ الأوَلَ ويَتراصُّونَ في الصّف » " خرّجه مسلم وغيره . وقال الشاعر : @ تَرَانا عندَهُ واللَّيْلُ داجٍ على أبوابه حِلَقاً عِزِينا @@ أي متفرقين . وقال الراعي : @ أخليفةَ الرحمن إنّ عشيرتي أمسى سَرَاتُهُم إليك عِزِينـا @@ أي متفرقين . وقال آخر : @ كأن الجماجـم من وقعها خناطيـل يهوين شَتَّى عِزِينـا @@ أي متفرقين . وقال آخر : @ فلما أن أتَيْـن على أُضَـاخٍ ضَرَحْـنَ حَصَاهُ أشْتَـاتاً عِزِينا @@ وقال الكُمَيْت : @ ونحنُ وجَنْدَلٌ بـاغٍ تَرَكْنَـا كَتَائـب جَنْدَلٍ شَتَّـى عِزِينـا @@ وقال عنترة : @ وقِرْنٍ قد تركتُ لِذِي وَليٍّ عليه الطير كالعُصَبِ العِزِين @@ وواحد عِزين عِزة ، جُمع بالواو والنون ليكون ذلك عِوَضاً مما حُذِف منها . وأصلها عِزْهة ، فاعتلّت كما اعتلّت سَنَة فيمن جعل أصلها سَنْهة . وقيل : أصلها عِزْوة ، من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره . فكل واحد من الجماعات مضافة إلى الأخرى ، والمحذوف منها الواو . وفي الصحاح : « والعِزة الفِرْقة من الناس ، والهاء عوض من الياء ، والجمع عِزًى على فِعَل وعزون وعُزون أيضاً بالضم ، ولم يقولوا عِزات كما قالوا ثبات . قال الأصمعيّ : يقال في الدار عِزون ، أي أصناف من الناس . و { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ } متعلق بـ { مُهْطِعِينَ } ويجوز أن يتعلق بـ { عِزِينَ } على حد قولك : أخذته عن زيد . { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } قال المفسرون : كان المشركون يجتمعون حول النبيّ صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فيكذّبونه ويكذبون عليه ، ويستهزئون بأصحابه ويقولون : لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنّها قبلهم ، ولئن أعطوا منها شيئاً لنعطين أكثر منه ، فنزلت : « أيَطْمَعُ » الآية . وقيل : كان المستهزئون خمسة أرهط . وقرأ الحسن وطلحة بن مُصَرِّف والأعرج « أنْ يَدْخُلَ » بفتح الياء وضم الخاء مسمّى الفاعل . ورواه المفضّل عن عاصم . الباقون « أنْ يُدْخَلَ » على الفعل المجهول . { كَلاَّ } لا يدخلونها . ثم ابتدأ فقال : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، كما خلق سائر جنسهم . فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة ، وإنما تُستوجَب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى . وقيل : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين ويتكبّرون عليهم . فقال : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } من القَذَر ، فلا يليق بهم هذا التكبر . وقال قتادة في هذه الآية : إنما خُلِقْتَ يا ابن آدم من قذر فاتّق الله . وروي أن مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير رأى المُهَلّب بن أبي صُفْرة يتبختر في مُطرَف خَزٍّ وجُبّة خزّ فقال له : يا عبد الله ، ما هذه المِشْية التي يبغضها الله ؟ ! فقال له : أتعرفني ؟ قال نعم ، أوّلك نطفةٌ مِذرة ، وآخرك جيفةٌ قذِرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العَذِرة ، فمضى المهلّب وترك مشيته . نظم الكلام محمود الورّاق فقال : @ عَجِبتُ من مُعْجَبٍ بصورته وكان في الأصـل نطفـةً مَذِرهْ وهو غَداً بعد حُسْن صورته يصيرُ في اللحد جيفةً قَذرهْ وهو على تيهه ونَخْوته ما بين ثوبيه يحمل العذرهْ @@ وقال آخر : @ هل في ابن آدم غيرَ الرأس مَكْرُمةٌ وهو بخمسٍ من الأوساخ مضروب أنْفٌ يسيل وأذْنٌ ريحها سَهِـكٌ والعين مُرْمَصَة والثغْر ملهوب يا بن التراب ومأكول التراب غداً قصِّر فإنك مأكول ومشـروب @@ وقيل : معناه من أجل ما يعلمون ، وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب . كقول الشاعر وهو الأعشى : @ أأزْمَعْتَ من آل لَيْلى ابْتِكَارَا وشَطَّتْ علَى ذِي هَوًى أن تُزَارَا @@ أي من أجل لَيْلَى .