Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 23-24)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس وغيره : هي أصنام وصُوَر ، كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب وهذا قول الجمهور . وقيل : إنها للعرب لم يعبدها غيرهم . وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم ، فلذلك خَصُّوها بالذكر بعد قوله تعالى : { لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } . ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم : { لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } قالت العرب لأولادهم وقومهم : لا تذرُنّ ودًّا وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ، ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح عليه السلام . وعلى القول الأول ، الكلام كلّه منسوق في قوم نوح . وقال عُروة بن الزبير وغيره : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه : وَدٌّ ، وسُواعٌ ، ويغوثُ ، ويعوقُ ، ونسرٌ . وكان وَدّ أكبرَهم وأبرَّهم به . قال محمد بن كعب : كان لآدم عليه السلام خمس بنين : وَدّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسر ، وكانوا عُبَّاداً فمات واحد منهم فحزنوا عليه ، فقال الشيطان : أنا أصوّر لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه . قالوا : افعل . فصوّره في المسجد من صُفْر ورصاص . ثم مات آخر ، فصوّره حتى ماتوا كلهم فصوّرهم . وتنقّصت الأشياء كما تتنقّص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين . فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئاً ؟ قالوا : وما نعبد ؟ قال : آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترون في مُصَلاّكم . فعبدوها من دون الله ، حتى بعث الله نوحاً فقالوا : { لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً } الآية . وقال محمد بن كعب أيضاً ومحمد بن قيس : بل كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم تَبَع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زَيّن لهم إبليس أن يصوّروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسَلّوا بالنظر إليها ، فصوّرهم . فلما ماتوا هُم وجاء آخرون قالوا : لَيْتَ شِعْرَنَا ! هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ! ؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر . فعبدوها فابتدىء عبادة الأوثان من ذلك الوقت . قلت : وبهذا المعنى فسّر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة : أن أمّ حبيبة وأمّ سَلَمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية ، فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بَنَوْا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور أولئك شِرار الخلق عند الله يوم القيامة " وذكر الثعلبيّ عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسمُّوها بأسمائهم تذكروهم بها ، ففعلوا ، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبدت من دون الله . وذُكر أيضاً عن ابن عباس : أن نوحاً عليه السلام ، كان يحرس جسد آدم عليه السلام على جبل بالهند ، فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره ، فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم ، وإنما هو جسد ، وأنا أصوّر لكم مثله تطوفون به ، فصوّر لهم هذه الأصنام الخمسة وحملهم على عبادتها . فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء ، فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب . قال الماوَرْدِيّ : فأما وَدٌّ فهو أوّل صنم معبود ، سُمي ودًّا لودّهم له ، وكان بعد قوم نوح لكَلْب بدومة الجَنْدَل ، في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل . وفيه يقول شاعرهم : @ حَيّاك ودٌّ فإنّا لا يحلّ لنا لَهْوُ النساء وإن الدين قد عَزَمَا @@ وأما سُواعٌ فكان لهذيل بساحل البحر ، في قولهم . وأما يَغُوثُ فكان لغُطَيف من مُراد بالجَوْف من سبأ ، في قول قتادة . وقال المهدَوِيّ . لمُراد ثم لغطَفان . الثعلبيّ : وأخذت أعلى وأنعم وهما من طيء وأهل جُرَش من مَذحج يغوث فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زماناً . ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم ، ففرّوا به إلى الحُصين أخي بني الحارث بن كعب من خُزاعة . وقال أبو عثمان النَّهْدِيّ : رأيت يغوث وكان من رَصاص ، وكانوا يحملونه على جمل أحْرَد ، ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يَبْرُك ، فإذا بَرَك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ، فيضربون عليه بناءً ينزلون حوله . وأما يَعُوق فكان لهَمْدان ببَلْخَع ، في قول عكرمة وقتادة وعطاء . ذكره الماورديّ . وقال الثعلبيّ : وأما يَعُوق فكان لكَهْلان من سَبَأ ، ثم توارثه بنوه ، الأكبر فالأكبر حتى صار إلى هَمْدان . وفيه يقول مالك ابن نمط الهمداني : @ يَريشُ الله في الدنيا ويَبْرى ولا يَبْرِي يعوقُ ولا يَرِيشُ @@ وأما نسرٌ فكان لذي الكَلاَع من حِمْير ، في قول قتادة ونحوه عن مقاتل . وقال الواقديّ : كان وَدٌّ على صورة رجل ، وسُواعٌ على صورة ٱمرأة ، ويغوثُ على صورة أسد ، ويعوقُ على صورة فرس ، ونسرٌ على صورة نَسْر من الطير ، فالله أعلم . وقرأ نافع « وَلاَ تَذَرُنَّ وُدًّا » بضم الواو . وفتحها الباقون . قال الليث : وَدٌّ بفتح الواو صنم كان لقوم نوح . ووُدٌّ بالضم صنم لقريش ، وبه سُمّي عمرو بن وُدّ . وفي الصحاح : والودّ بالفتح الوَتِدُ في لغة أهل نجد ، كأنهم سكّنوا التاء وأدغموها في الدال . والوَدّ في قول ٱمرىء القيس : @ تُظهِرُ الوَدَّ إذا ما أشْجَذَتْ وتُوارِيهِ إذا ما تَعْتَكِرْ @@ قال ٱبن دُريد : هو اسم جبل : ووَدٌّ صنم كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لكلب وكان بدُومة الجَنْدَل ، ومنه سمّوه عبد ودٍ وقال : { لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } ثم قال : { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً } الآية . خصّهَا بالذكر ، لقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } هذا من قول نوح ، أي أضلّ كبراؤهم كثيراً من أتباعهم ، فهو عطف على قوله : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } . وقيل : إن الأصنام « أضَلُّوا كَثِيراً » أي ضلّ بسببها كثير ، نظيره قول إبراهيم : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] فأجرى عليهم وصف ما يعقل ، لاعتقاد الكفار فيهم ذلك . { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } أي عذاباً ، قاله ابن بحر . واستشهد بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 47 ] وقيل إلا خسراناً . وقيل إلا فتنةً بالمال والولد . وهو محتمل .