Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 16-17)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } هذا من قول الله تعالى . أي لو آمن هؤلاء الكفار لوسّعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق . وهذا محمول على الوحي أي أوحى إليّ أن لو ٱستقاموا . ذكر ٱبن بحر : كل ما في هذه السورة من « إن » المكسورة المثقلة فهي حكاية لقول الجِن الذين ٱستمعوا القرآن ، فرجعوا إلى قومهم منذرين ، وكل ما فيها من أن المفتوحة المخففة فهي وحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ٱبن الأنباري : ومن كسر الحروف وفتح « وَأَنْ لَوِ ٱسْتَقَامُوا » أضمر يميناً تامًّا ، تأويلها : والله أن لو ٱستقاموا على الطريقة كما يقال في الكلام : والله أَنْ قمتَ لقمتُ ، ووالله لو قمتَ قمتُ قال الشاعر : @ أَما واللَّهِ أن لو كُنتَ حُرًّا وما بِالحُرّ أنتَ ولا العتِيقِ @@ ومن فتح ما قبل المخففة نسَقها أعنى الخفيفة على « أَوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ » ، « وَأَنْ لَوِ ٱسْتَقَامُوا » أو على « آمَنَّا بِهِ » وبأن لو ٱستقاموا . ويجوز لمن كسر الحروف كلها إلى « أن » المخففة ، أن يعطف المخففة على « أَوحِيَ إِلَيَّ » أو على « آمَنَّا بِهِ » ، ويستغني عن إضمار اليمين . وقراءة العامة بكسر الواو من « لوِ » لالتقاء الساكنين . وقرأ ٱبن وثّاب والأعمش بضم الواو . و { مَّآءً غَدَقاً } أي واسِعاً كثيراً ، وكانوا قد حُبِس عنهم المطر سبع سنين يقال : غَدِقَتِ العينُ تَغدَق ، فهي غَدِقة ، إذا كثر ماؤها . وقيل : المراد الخلق كلُّهم أي { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } طريق الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } أي كثيراً { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم . وقال عمر في هذه الآية : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة . فمعنى « لأَسْقَيْنَاهُمْ » لوسَّعنا عليهم في الدنيا وضرَبَ الماء الغَدَق الكثير لذلك مثلاً لأن الخير والرزق كله بالمطر يكون ، فأقيم مقامه كقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] وقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [ المائدة : 66 ] أي بالمطر . والله أعلم . وقال سعيد بن المسيّب وعطاء بن أبي رَبَاح والضحاك وقَتادة ومقاتل وعطية وعُبيد بن عمير والحسن : كان والله أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشيّ ففُتنوا بها ، فوثبوا على إمامهم فقتلوه . يعني عثمان بن عفّان . وقال الكلبيّ وغيره : « وَأَنَّ لَوِ ٱسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيَقَةِ » التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفاراً لوسّعنا أرزاقهم مكراً بهم وٱستدراجاً لهم ، حتى يَفتتنوا بها ، فنعذبهم بها في الدنيا والآخرة . وهذا قول قاله الربيع ٱبن أنس وزيد بن أسلم وٱبنه والكلبيّ والثّمالي ويَمَان بن رَباب وٱبن كيسان وأبو مِجْلَز وٱستدلّوا بقوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 44 ] الآية . وقوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] الآية والأوّل أشبه لأن الطريقة معرّفة بالألف واللام ، فالأوجب أن تكون طريقته طريقة الهدى ولأن الاستقامة لا تكون إلا مع الهدى . وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخْوف ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من زَهْرة الدنيا » قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : « بركات الأرض … " وذكر الحديث . وقال عليه السلام : " فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على مَن قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلكَكم كما أهلكتهم " قوله تعالى : { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } يعني القرآن قاله ٱبن زيد . وفي إعراضه عنه وجهان : أحدهما عن القبول ، إن قيل إنها في أهل الكفر . الثاني عن العمل ، إن قيل إنها في المؤمنين . وقيل : « وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ » أي لم يشكر نعمه { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } قرأ الكوفيون وعيّاش عن أبي عمرو « يَسْلُكْهُ » بالياء وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم لذكر ٱسم الله أوّلا فقال : « وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ » . الباقون « نَسْلُكْهُ » بالنون . وروى عن مسلم بن جُندب ضم النون وكسر اللام . وكذلك قرأ طلحة والأعرج وهما لغتان ، سلكه وأسلكه بمعنًى أي ندخله . { عَذَاباً صَعَداً } أي شاقًّا شديداً . قال ٱبن عباس : هو جبل في جهنم . الخدري ، كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت . وعن ٱبن عباس : أن المعنى مشقة من العذاب . وذلك معلوم في اللغة أن الصَّعَد : المشقة ، تقول : تصَعَّدني الأمر : إذا شقّ عليك ومنه قول عمر : ما تَصعَّدني شيء ما تَصعدتني خُطبة النكاح ، أي ما شقّ عليّ . وعذاب صَعَدٌ أي شديد . والصَّعَد : مصدر صَعِد يقال : صَعِدَ صَعَداً وصُعوداً ، فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذّب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه . وقال أبو عبيدة : الصَّعَد مصدر أي عذاباً ذا صَعَدٍ ، والمشي في الصَّعود يشقّ . والصَّعود . العقبة الكئود . وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يُكلَّف صعودها فإذا ٱنتهى إلى أعلاها حُدِر إلى جهنم . وقال الكلبيّ : يكلّف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلاً في النار من صخرة ملساء ، يُجذب من أمامه بسلاسل ، ويُضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها ، ولا يبلغ في أربعين سنة . فإذا بلغ أعلاها أُحْدِر إلى أسفلها ، ثم يكلّف أيضاً صعودَها ، فذلك دأبه أبداً ، وهو قوله تعالى : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } .