Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 8-10)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ } هذا من قول الجنّ أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا { فَوَجَدْنَاهَا } قد { مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً } أي حَفَظة ، يعني الملائكة . والحَرَس : جمع حارس { وَشُهُباً } جمع شهاب ، وهو ٱنقضاض الكواكب المحرقة لهم عن ٱستراق السمع . وقد مضى القول فيه في سورة « الحجر » و « الصافات » . و « وَجَدَ » يجوز أن يقدّر متعدّياً إلى مفعولين ، فالأوّل الهاء والألف ، و « مُلِئَتْ » في موضع المفعول الثاني . ويجوز أن يتعدّى إلى مفعول واحد ويكون « مُلِئَتْ » في موضع الحال على إضمار قد . و « حَرَساً » نصب على المفعول الثاني بـ « ـمُلِئَتْ » . و « شَدِيداً » من نعت الحرس ، أي ملئت ملائكة شدادا . ووحد الشَّديد على لفظ الحرس وهو كما يقال : السَّلَف الصالح بمعنى الصالحين ، وجمع السَّلَف أسلاف وجمع الحرس أحراس قال : @ « تجـاوزتُ أحراساً وأهـوالَ مَعْشَرٍ » @@ ويجوز أن يكون « حَرَساً » مصدراً على معنى حُرِست حراسةً شديدة . قوله تعالى : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } . « مِنْهَا » أي من السماء ، و « مَقَاعِدَ » : مواضع يُقْعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء يعني أن مَرَدة الجنّ كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهِنة على ما تقدّم بيانه ، فحرسها الله تعالى حين بعث رسوله بالشُّهب المحرقة ، فقالت الجنّ حينئذ : { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } يعني بالشهاب : الكوكب المحرِق وقد تقدّم بيان ذلك . ويقال : لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو آية من آياته . وٱختلف السَّلَف هل كانت الشياطين تُقذَف قبل المبعث ، أو كان ذلك أمراً حدث لمبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الكلبي وقال قوم : لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه : خمسِمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها ، وحُرست بالملائكة والشهب . قلت : ورواه عطية العوفي عن ٱبن عباس ذكره البيهقي . وقال عبد الله بن عمر : لما كان اليوم الذي نُبِّىء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنعت الشياطين ورُموا بالشُّهب . وقال عبد الملك بن سابور : لم تكن السماء تُحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، فلما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم حُرست السماء ، ورُميت الشياطين بالشُّهب ، ومُنعت عن الدنوّ من السماء . وقال نافع بن جُبير : كانت الشياطين في الفترة تَسمع فلا تُرمَى ، فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رُميت بالشُّهب . ونحوه عن أبيّ بن كعب قال : لم يُرمَ بنجم منذ رُفع عيسى حتى نُبِّىءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُمِيَ بها . وقيل كان ذلك قبل المبعث ، وإنما زادت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنذاراً بحاله وهو معنى قوله تعالى : « مُلِئَتْ » أي زيد في حَرَسها وقال أَوْس بن حَجَر وهو جاهليّ : @ فٱنقَضّ كالدُّرِّي يَتْبَعُه نَقْعٌ يَثورُ تخَالُه طُنُبَا @@ وهذا قول الأكثرين . وقد أنكر الجاحظ هذا البيت وقال : كل شعر رُوِي فيه فهو مصنوع ، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث . والقول بالرمي أصح لقوله تعالى ، { فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } . وهذا إخبار عن الجنّ ، أنه زِيد في حرس السماء حتى ٱمتلأت منها ومنهم ولما رُوي عن ٱبن عباس قال : " بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذا رُمِي بنجم ، فقال : « ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية ؟ » قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنها لا تُرْمَى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربّنا سبحانه وتعالى إذا قضى أمراً في السماء سبّح حملة العرش ثم سبّح أهل كل سماء ، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبرُ أهلُ السماء حملةَ العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه ، فتتخَطَّف الجنُّ فيُرْمون فما جاءوا به فهو حقّ ولكنهم يزيدون فيه » " وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث . ورَوَى الزهريّ نحوه عن عليّ بن الحسين عن عليّ بن أبي طالب عن ٱبن عباس . وفي آخره قيل للزهريّ : أكان يُرمَى في الجاهلية ؟ قال : نعم . قلت : أفرأيت قوله سبحانه : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } قال : غُلظت وشُدِّد أمرُها حين بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلم . ونحوه قال القتبيّ : كان ولكن ٱشتدّت الحراسة بعد المبعث وكانوا من قبلُ يسترقون ويُرمَون في بعض الأحوال ، فلما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم مُنعت من ذلك أصلاً . وقد تقدم بيان هذا في سورة « والصافات » عند قوله : { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ . دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } [ الصافات : 8 - 9 ] قال الحافظ : فلو قال قائل : كيف تتعرض الجنّ لإحراق نفسها بسبب ٱستماع خبر ، بعد أن صار ذلك معلوماً لهم ؟ فالجواب : أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة ، كما ينسَى إبليس في كل وقت أنه لا يسلم ، وأن الله تعالى قال له : { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الحجر : 35 ] ولولا هذا لما تحقق التكليف . والرَّصَد : قيل من الملائكة أي ورصداً من الملائكة . والرَّصَدُ : الحافظ للشيء والجمع أرصاد ، وفي غير هذا الموضع يجوز أن يكون جمعاً كالحرس ، والواحد : راصد . وقيل : الرصد هو الشهاب ، أي شهاباً قد أرصد له ، ليرجم به فهو فَعَلٌ بمعنى مفعول كالخَبَط والنَّفَض . قوله تعالى : { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ } أي هذا الحرس الذي حرست بهم السماء { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } أي خيراً . قال ٱبن زيد : قال إبليس لا ندري هل أراد الله بهذا المنع أن يُنزل على أهل الأرض عذاباً أو يُرسل إليهم رسولاً . وقيل : هو من قول الجنّ فيما بينهم قبل أن يسمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم . أي لا ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بمن في الأرض بإرسال محمد إليهم ، فإنهم يكذبونه ويهلِكون بتكذيبه كما هلك من كذَّب من الأمم ، أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا فالشرّ والرشد على هذا الكفر والإيمان ، وعلى هذا كان عندهم علم بمبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولما سمعوا قراءته علموا أنهم مُنعوا من السماء حراسة للوحي . وقيل : لا بل هذا قول قالوه لقومهم بعد أن ٱنصرفوا إليهم منذرين أي لما آمنوا أشفقوا ألاّ يؤمن كثير من أهل الأرض فقالوا : إنا لا ندري أيكفر أهل الأرض بما آمنا به أمْ يؤمنون ؟