Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 20-20)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث عشرة مسألة : الأولى قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ } هذه الآية تفسير لقوله تعالى : { قُمِ ٱلْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } كما تقدّم ، وهي الناسخة لفرضية قيام الليل كما تقدّم . « تَقُومُ » معناه تصلّي و { أَدْنَىٰ } أي أقلّ . وقرأ ٱبن السَّمَيْقَع وأبو حَيْوة وهشام عن أهل الشام { ثُلُثَيِ } بإسكان اللام . { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } بالخفض قراءة العامة عطفاً على « ثُلُثَيِ » المعنى : تقوم أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه . وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم كقوله تعالى : { عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ } فكيف يقومون نصفه أو ثلثه وهم لا يحصونه . وقرأ ٱبن كثير والكوفيون « ونِصْفَهُ وَثُلُثَه » بالنصب عطفاً على « أَدْنَى » التقدير : تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفَه وثلثَه . قال الفراء : وهو أشبه بالصواب لأنه قال أقلّ من الثلثين ، ثم ذكر نفس القِلّة لا أقلّ من القلّة . القُشَيْري : وعلى هذه القراءة يحتمل أنهم كانوا يصيبون الثلث والنصف لخفة القيام عليهم بذلك القدر ، وكانوا يزيدون ، وفي الزيادة إصابة المقصود ، فأما الثلثان فكان يثقل عليهم قيامه فلا يصيبونه ، وينقصون منه . ويحتمل أنهم أُمروا بقيام نصف الليل ، ورُخّص لهم في الزيادة والنقصان ، فكانوا ينتهون في الزيادة إلى قريب من الثلثين ، وفي النصف إلى الثلث . ويحتمل أنهم قدّر لهم النصف وأنقص إلى الثلث ، والزيادة إلى الثلثين ، وكان فيهم من يفي بذلك ، وفيهم من يترك ذلك إلى أن نُسخ عنهم . وقال قوم : إنما ٱفترض الله عليهم الربع ، وكانوا ينقصون من الربع . وهذا القول تحكُّم . الثانية قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ، وأنتم تعلمون بالتحرّي والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ . { عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ } أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك والقيامَ به . وقيل : أي لن تطيقوا قيام الليل . والأوّل أصح فإنّ قيام الليل ما فُرض كله قطّ . قال مقاتل وغيره : لما نزلت { قُمِ ٱلْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } شقّ ذلك عليهم ، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه ، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطيء ، فٱنتفخت أقدامهم ، وٱنْتُقِعت ألوانهم ، فرحمهم الله وخفّف عنهم فقال تعالى : { عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ } و « أَنْ » مخفّفة من الثقيلة أي علم أنكم لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم ، وٱحتجتم إلى تكليف ما ليس فرضاً ، وإن نقصتم شقّ ذلك عليكم . الثالثة قوله تعالى : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي فعاد عليكم بالعفو ، وهذا يدل على أنه كان فيهم في ترك بعض ما أمر به . وقيل : أي فتاب عليكم من فرض القيام إذْ عجزتم . وأصل التوبة الرجوع كما تقدّم فالمعنى رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف ، ومن عُسْر إلى يُسْر . وإنما أمروا بحفظ الأوقات على طريق التحرّي ، فخّفف عنهم ذلك التحرّي . وقيل : معنى { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يخلقهما مقدَّرَين كقوله تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] . ٱبن العربي : تقدير الخلقة لا يتعلّق به حكم ، وإنما يربط الله به ما يشاء من وظائف التكليف . الرابعة قوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } فيه قولان : أحدهما أن المراد نفس القراءة أي فٱقرؤوا فيما تصلّونه بالليل ما خفّ عليكم . قال السُّديّ : مائة آية . الحسن : من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجّه القرآن . وقال كعب : من قرأ في ليلة مائة آية كُتب من القانتين . وقال سعيد : خمسون آية . قلت : قول كعب أصح لقوله عليه السلام : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من الُمَقْنِطرين " خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو . وقد ذكرناه في مقدّمة الكتاب والحمد لله . القول الثاني : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ } أي فصلّوا ما تيسّر عليكم ، والصلاة تسمى قرآناً كقوله تعالى : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } [ الإسراء : 78 ] أي صلاة الفجر . ٱبن العربي : وهو الأصح لأنه عن الصلاة أخبر ، وإليها يرجع القول . قلت : الأوّل أصح حملاً للخطاب على ظاهر اللفظ ، والقول الثاني مجاز فإنه من تسمية الشيء ببعض ما هو من أعماله . الخامسة قال بعض العلماء : قوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } نَسخَ قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف والزيادة عليه . ثم ٱحتمل قول الله عز وجل : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } معنيين أحدهما أن يكون فرضاً ثانياً لأنه أزيل به فرضٌ غيره . والآخر أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] فاحتمل قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } أي يتهجد بغير الذي فُرض عليه مما تيسّر منه . قال الشافعيّ : فكان الواجب طلب الاستدلال بالسُّنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس . السادسة قال القُشيريّ أبو نصر : والمشهور أن نسخ قيام الليل كان في حقّ الأمة ، وبقيت الفريضة في حقّ النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقيل : نسخ التقدير بمقدار ، وبقي أصل الوجوب كقوله تعالى : { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } [ البقرة : 196 ] فالهدي لا بدّ منه ، كذلك لم يكن بُدٌّ من صلاة الليل ، ولكن فُوّض قدره إلى ٱختيار المصلّي ، وعلى هذا فقد قال قوم : فَرْض قيام الليل بالقليل باقٍ وهو مذهب الحسن . وقال قوم : نسخ بالكلية ، فلا تجب صلاة الليل أصلاً وهو مذهب الشافعي . ولعل الفريضة التي بقيت في حقّ النبيّ صلى الله عليه وسلم هي هذا ، وهو قيامه ، ومقداره مفوّض إلى خِيرتِه . وإذا ثبت أن القيام ليس فرضاً فقوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } معناه ٱقرؤوا إن تيّسر عليكم ذلك ، وصلّوا إن شئتم . وصار قوم إلى أن النسخ بالكلية تقرّر في حقّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً ، فما كانت صلاة الليل واجبة عليه . وقوله : { نَافِلَةً لَّكَ } محمول على حقيقة النفل . ومن قال : نسخ المقدار وبقي أصل وجوب قيام الليل ثم نسخ ، فهذا النسخ الثاني وقع ببيان مواقيت الصلاة كقوله تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [ الإسراء : 78 ] ، وقوله : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] ، ما في الخبر من أن الزيادة على الصلوات الخمس تطوّع . وقيل : وقع النسخ بقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وللأمة ، كما أنّ فرضية الصلاة وإن خوطب بها النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلْلَّيْلَ } كانت عامة له ولغيره . وقد قيل : إن فريضة الله ٱمتدّت إلى ما بعد الهجرة ، ونسخت بالمدينة لقوله تعالى : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، وإنما فرض القتال بالمدينة فعلى هذا بيان المواقيت جرى بمكة ، فقيام الليل نسخ بقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [ الإسراء : 79 ] . وقال ٱبن عباس : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسَخ قولُ الله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ } وجوبَ صلاة الليل . السابعة قوله تعالى : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } الآية بيّن سبحانه علة تخفيف قيام الليل ، فإن الخَلْق منهم المريض ، ويشّق عليهم قيام الليل ، ويشقّ عليهم أن تفوتهم الصلاة ، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل ، والمجاهد كذلك ، فخفّف الله عن الكل لأجل هؤلاء . و « أَنْ » في « أَنْ سَيَكُونُ » مخففة من الثقيلة أي علم أنه سيكون . الثامنة سَوَّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله ، والإحسان والإفضال ، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله . وروي إبراهيم عن علقمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من جالب يجلب طعاماً من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وقال ٱبن مسعود : أيّما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً ، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء . وقرأ { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ } الآية . وقال ٱبن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحبّ إليّ من الموت بين شعبتي رَحْلِي ، ٱبتغي من فضل الله ضارباً في الأرض . وقال طاوس : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله . وعن بعض السلف أنه كان بواسط ، فجهز سفينة حِنطة إلى البصرة ، وكتب إلى وكيله : بِعِ الطعام يوم تدخل البصرة ، ولا تؤخره إلى غدٍ فوافق سعةً في السعر فقال التجار للوكيل : إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه ، فأخره جمعة فربح فيه أمثاله ، فكتب إلى صاحبه بذلك ، فكتب إليه صاحب الطعام : يا هذاٰ إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا ، وقد جنيت علينا جناية ، فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدّق به على فقراء البصرة ، وليتني أنجو من الاحتكار كَفافاً لا عليّ ولا لي . ويروي أن غلاماً من أهل مكة كان ملازماً للمسجد ، فافتقده ٱبن عمر ، فمشي إلى بيته ، فقالت أمه : هو على طعام له يبيعه فلقيه له : يا بني ! مالك وللطعام ؟ فهلاّ إبلاً ، فهلاّ بقراً ، فهلاّ غنما ! إن صاحب الطعام يحب المَحْل ، وصاحب الماشية يحب الغيث . التاسعة قوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } أي صلّوا ما أمكن فأوجب الله من صلاة الليل ما تيسر ، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصلوات الخمس على ما تقدّم . قال ٱبن العربي وقد قال قوم : إن فرض قيام الليل سُنَّ في ركعتين من هذه الآية قاله البخاريّ وغيره ، وعقد باباً ذكر فيه حديث . " يَعقِد الشيطانُ على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد ، يضرب على كل عُقْدَة مكانها : عليك ليل طويل فٱرقد . فإن ٱستيقظ فذكر الله ٱنحلت عُقْدة ، فإن توضأ ٱنحلت عُقْدة ، فإن صلّى ٱنحلت عُقَده كلّها ، فأصبح نشيطاً طيّب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " وذكر حديث سَمُرة بن جُنْدُبَ " عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الرؤيا قال : « أما الذي يُثْلَغ رأسُه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفُضه ، وينام عن الصلاة المكتوبة » " وحديث عبد الله بن مسعود قال : " ذكر عند النبيّ صلى الله عليه وسلم رجل ينام الليل كلّه فقال : « ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه » " فقال ٱبن العربيّ : فهذه أحاديث مقتضية حمل مطلق الصلاة على المكتوبة فيحمل المطلق على المقيد لاحتماله له ، وتسقط الدعوى ممَّن عيَّنه لقيام الليل . وفي الصحيح واللفظُ للبخاري : قال عبد الله بن عمرو : وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الله لا تكن مثَل فلان ، كان يقوم الليل فترك قيام الليل " ولو كان فرضاً ما أقره النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا أخبر بمثل هذا الخبر عنه ، بل كان يذمه غاية الذمّ ، وفي الصحيح " عن عبد الله بن عمر قال : كان الرجل في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رأي رؤيا قصّها على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شابًّا عَزَباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطويّة كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها ناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : ولقينا مَلَك آخر ، فقال لي : لم تُرَعْ . فقصصتها على حفصة ، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « نعم الرجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل » " ، فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً فلو كان تَرْك القيام معصية لما قال له المَلك : لم تُرَعْ . والله أعلم . العاشرة إذا ثبت أن قيام الليل ليس بفرض ، وأن قوله : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } محمول على ظاهره من القراءة في الصلاة ، فاختلف العلماء في قدر ما يلزمه أن يقرأ به في الصلاة فقال مالك والشافعيّ : فاتحة الكتاب لا يجزيء العدول عنها ، ولا الاقتصار على بعضها ، وقدّره أبو حنيفة بآية واحدة ، من أيّ القرآن كانت . وعنه ثلاث آيات لأنها أقلّ سورة . ذكر القول الأوّل الماورديّ والثاني ٱبن العربيّ . والصحيح ما ذهب إليه مالك والشافعيّ ، على ما بيّناه في سورة « الفاتحة » أوّل الكتاب والحمد لله . وقيل : إن المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة قال الماورديّ : فعلى هذا يكون مطلق هذا الأمر محمولاً على الوجوب ، أو على الاستحباب دون الوجوب . وهذا قول الأكثرين لأنه لو وجب عليه أن يقرأ لوجب عليه أن يحفظه . الثاني أنه محمول على الوجوب ليقف بقراءته على إعجازه ، وما فيه من دلائل التوحيد وبعث الرسل ، ولا يلزمه إذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه أن يحفظه لأن حِفظ القرآن من القُرَب المستحبة دون الواجبة . وفي قدر ما تضمنه هذا الأمر من القراءة خمسة أقوال : أحدها جميع القرآن لأن الله تعالى يسره على عبادِه قاله الضحاك . الثاني ثلث القرآن حكاه جوبير . الثالث مائتا آية قاله السُّديّ . الرابع مائة آية قاله ٱبن عباس . الخامس ثلاث آيات كأقصر سورة قاله أبو خالد الكناني . الحادية عشرة قوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني المفروضة وهي الخمس لوقتها . { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } الواجبة في أموالكم قاله عكرمة وقتادة . وقال الحارث العُكْلي : صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك . وقيل : صدقة التطوّع . وقيل : كل أفعال الخير . وقال ٱبن عباس : طاعة الله والإخلاص له . الثانية عشرة قوله تعالى : { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } القرض الحسن ما قصد به وجه الله تعالى خالصاً من المال الطيّب . وقد مضى في سورة « الحديد » بيانه . وقال زيد ٱبن أسلم : القرض الحسن النفقة على الأهل . وقال عمر بن الخطاب : هو النفقة في سبيل الله . الثالثة عشرة قوله تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } « البقرة » . وروي عن عمر بن الخطاب أنه ٱتخذ حَيْساً يعني تمراً بلبن فجاءه مسكين فأخذه ودفعه إليه . فقال بعضهم : ما يدري هذا المسكين ما هذا ؟ فقال عمر : لكن رب المسكين يدري ما هو . وكأنه تأوّلَ { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً } أي مما تركتم وخلفتم ، ومن الشّح والتقصير . { وَأَعْظَمَ أَجْراً } قال أبو هريرة : الجنة ويحتمل أن يكون أعظم أجراً لإعطائه بالحسنة عشراً . ونصب « خيرا وأَعْظَم » على المفعول الثاني لـ « ـتَجِدُوهُ » و « هو » : فصل عند البصريين ، وعماد في قول الكوفيين ، لا محل له من الإعراب . و « أَجْرَاً » تمييز . { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } أي سلوه المغفرة لذنوبكم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لما كان قبْلَ التوبة { رَّحِيمٌ } لكم بعدها قاله سعيد بن جبير . ختمت السورة والحمد لله .