Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-17)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } { ذَرْنِي } أي دعني وهي كلمة وعيد وتهديد . { وَمَنْ خَلَقْتُ } أي دعني والذي خلقتُه وحيداً فـ « ـوحيداً » على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف ، أي خلقته وحده ، لا مال له ولا ولد ، ثم أعطيتهُ بعد ذلك ما أعطيته . والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزوميّ ، وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه . وإنما خُصّ بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول عليه السلام ، وكان يسمَّى الوحيد في قوله . قال ٱبن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد بن الوحيد ، ليس لي في العرب نظير ، ولا لأبي المغيرة نظير ، وكان يسمى الوحيد فقال الله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ } بزعمه { وَحِيداً } لا أن الله تعالى صدّقه بأنه وحيد . وقال قوم : إن قوله تعالى : { وَحِيداً } يرجع إلى الربّ تعالى على معنين : أحدهما : ذرني وحدي معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم . والثاني : أني ٱنفردت بخلقه ولم يشركني فيه أحد ، فأنا أهلكه ولا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه فـ « ـوحِيداً » على هذا حال من ضمير الفاعل ، وهو التاء في « خَلَقْتُ » والأوّل قول مجاهد ، أي خلقته وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد ، فأنعمت عليه فكفر فقوله : « وِحيداً » على هذا يرجع إلى الوليد ، أي لم يكن له شيء فملكته . وقيل : أراد بذلك ليدله على أنه يبعث وحيداً كما خُلق وحيداً . وقيل : الوحيد الذي لا يُعرف أبوه ، وكان الوليد معروفاً بأنه دَعِيّ كما ذكرنا في قوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] وهو في صفة الوليد أيضاً . قوله تعالى : { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } أي خوّلته وأعطيته مالاً ممدوداً ، وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل والحُجُور والنَّعَم والجِنان والعبيد والجواري ، كذا كان ٱبن عباس يقول . وقال مجاهد : غلّة ألف دينار قاله سعيد بن جبير وٱبن عباس أيضاً . وقال قتادة : ستة آلاف دينار . وقال سفيان الثوري وقتادة : أربعة آلاف دينار . الثوريّ أيضاً : ألف ألف دينار . مقاتل : كان له بستان لا ينقطع خيره شتاءً ولا صيفاً . وقال عمر رضي الله عنه : { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } غلة شهر بشهر . النعمان بن سالم : أرضاً يزرع فيها . القشيريّ : والأظهر أنه إشارة إلى ما لا ينقطع رزقه ، بل يتوالى كالزرع والضرع والتجارة . قوله تعالى : { وَبَنِينَ شُهُوداً } أي حضوراً لا يغيبون عنه في تصرف . قال مجاهد وقتادة : كانوا عشرة . وقيل : ٱثنا عشر قاله السّديّ والضحاك . قال الضحاك : سبعة ولدوا بمكة وخمسةٌ ولدوا بالطائف . وقال سعيد بن جبير : كانوا ثلاثة عشر ولداً . مقاتل : كانوا سبعة كلهم رجال ، أسلم منهم ثلاثة : خالد وهشام والوليد بن الوليد . قال : فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك . وقيل : شهوداً ، أي إذا ذُكر ذكروا معه قاله ٱبن عباس . وقيل : شهوداً ، أي قد صاروا مثله في شهود ما كان يشهده ، والقيام بما كان يباشره . والأوّل قول السديّ ، أي حاضرين مكة لا يظعنون عنه في تجارة ولا يغيبون . قوله تعالى : { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي بسطت له في العيش بسطاً ، حتى أقام ببلدته مطمئناً مترفهاً يُرجع إلى رأيه . والتمهيد عند العرب : التوطئة والتهيئة ومنه مَهْدُ الصبيّ . وقال ٱبن عباس : { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي وسّعت له ما بين اليمن والشام وقاله مجاهد . وعن مجاهد أيضاً في { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش . قوله تعالى : { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } أي ثم إن الوليد يطمع بعد هذا كله أن أزيده في المال والولد . { كَلاَّ } أي ليس يكون ذلك مع كفره بالنعم . وقال الحسن وغيره : أي ثم يطمع أن أدخله الجنة ، وكان الوليد يقول : إن كان محمد صادقاً فما خُلقت الجنة إلا لي فقال الله تعالى ردًّا عليه وتكذيباً له : { كَلاَّ } أي لستُ أزيده ، فلم يزل يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك . و « ثُمَّ » في قوله تعالى : { ثُمَّ يَطْمَعُ } ليست بثم التي للنَّسق ولكنها تعجيب وهي كقوله تعالى : { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 1 ] وذلك كما تقول : أعطيتك ثم أنت تجفوني كالمتعجّب من ذلك . وقيل يطمع أن أترك ذلك في عقبه وذلك أنه كان يقول : إن محمداً مبتور أي أبتر وينقطع ذكره بموته . وكان يظنّ أن ما زرق لا ينقطع بموته . وقيل : أي ثم يطمع أن أنصره على كفره . و { كَلاَّ } قطعٌ للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة فيكون متصلاً بالكلام الأوّل . وقيل : { كَلاَّ } بمعنى حقًّا ويكون ٱبتداء . { إِنَّهُ } يعني الوليد { كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } أي معانداً للنبيّ صلى الله عليه وسلم وما جاء به يقال : عاند فهو عنِيد مثل جالِس فهو جلِيس قاله مجاهد . وعَنَدَ يَعْنِد بالكسر أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه فهو عنِيد وعانِد . والعانِد : البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد والجمع عُنَّد مثل راكِع ورُكَّع وأنشد أبو عبيدة قول الحارثيّ : @ إذا رَكِبتُ فٱجْعَلاَنِي وَسَطَا إنِّي كَبيرٌ لا أطيقُ الْعُنَّدَا @@ وقال أبو صالح : { عَنِيداً } معناه مباعداً قال الشاعر : @ أرَانا على حالٍ تُفَرِّقُ بَيْنَنَا نَوْىً غَرْبَةٌ إنّ الفِرَاقَ عَنُود @@ قتادة : جاحداً . مقاتل : معرضاً . ٱبن عباس : جحوداً . وقيل : إنه المجاهر بعدوانه . وعن مجاهد أيضاً قال : مجانباً للحق معانداً له معرضاً عنه . والمعنى كله متقارب . والعرب تقول : عَنَد الرجل إذا عَتا وجاوز قدره . والعَنُود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل ، إنما هو في ناحية . ورجل عَنُود إذا كان يحلّ وحده لا يخالط الناس . والعنيد من التجبر . وعرق عاند : إذا لم يَرقأ دمه ، كل هذا قياس واحد وقد مضى في سورة « إبراهيم » . وجمع العنيد عُنُد ، مثل رِغيف ورغُفُ . قوله تعالى : { سَأُرْهِقُهُ } أي سأكلفه . وكان ٱبن عباس يقول : سألجئه والإرهاق في كلام العرب : أن يُحَمل الإنسان على الشيء . { صَعُوداً } . " الصَّعُودُ : جبل من نار يتصعّد فيه سَبْعين خَريفاً ثم يَهْوِي كَذَلكَ فيه أبَدا " رواه أبو سعيد الخدريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، خرجه الترمذيّ وقال فيه حديث غريب . وروى عطية عن أبي سعيد قال : صخرة في جهنم إذا وضعوا عليها أيديهم ذابت فإذا رفعوها عادت ، قال : فيبلغ أعلاها في أربعين سنة يُجذب من أمامه بسلاسل ويضْرب من خلفه بمقامع ، حتى إذا بلغ أعلاها رمَى به إلى أسفلها ، فذلك دأبه أبداً . وقد مضى هذا المعنى في سورة { قُلْ أُوحِيَ } . وفي التفسير : أنه صخرة ملساء يكلّف صعودها فإذا صار في أعلاها حُدِر في جهنم ، فيقوم يهوِي ألف عام من قبل أن يبلغ قرار جهنم ، يحترق في كل يوم سبعين مرّة ثم يعاد خلقاً جديداً . وقال ٱبن عباس : المعنى سأكلفه مشقّة من العذاب لا راحة له فيه . ونحوه عن الحسن وقتادة . وقيل : إنه تصاعد نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت ، ليُعذّب من داخل جسده كما يعذّب من خارجه .