Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } قيل : إن « لا » صلة ، وجاز وقوعها في أوّل السورة لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حكم كلام واحد ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى : { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 15 ] وجوابه في سورة أخرى : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [ القلم : 2 ] ومعنى الكلام : أقسم بيوم القيامة قاله ٱبن عباس وٱبن جبير وأبو عبيدة ومثله قول الشاعر : @ تذكَّرتُ لَيْلَى فاعترتنِي صَبَابَةٌ فكاد صِمِيمُ القلبِ لا يَتَقَطَّعُ @@ وحكى أبو الليث السَّمرقنديّ : أجمع المفسرون أن معنى « لاَ أقْسِمُ » : أقسم . وٱختلفوا في تفسير « لا » قال بعضهم : « لا » زيادة في الكلام للزينة ، ويجري في كلام العرب زيادة « لا » كما قال في آية أخرى : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] يعني أن تسجد ، وقال بعضهم : « لا » : ردٌّ لكلامهم حيث أنكروا البعث ، فقال : ليس الأمر كما زعمتم . قلت : وهذا قول الفرّاء قال الفرّاء : وكثير من النحويين يقولون « لا » صلة ، ولا يجوز أن يُبدأ بجحد ثم يُجعل صلة لأن هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه ، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالردّ عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ وذلك كقولهم لا والله لا أفعل فـ « ـلا » ردٌّ لكلام قد مضى ، وذلك كقولك : لا والله إن القيامة لحقّ ، كأنك أكذبت قوماً أنكروه . وأنشد غير الفرّاء لامرىء القيس : @ فلا وأبِيكِ ٱبنةَ العامِرِيِّ لا يَدَّعِي القومُ أَنِّي أَفِرّ @@ وقال غُوَيَّة بن سلمى : @ ألا نادتْ أمامةُ بٱحتمال لتِحزُننِي فلا بِكِ ما أبالِي @@ وفائدتها توكيد القسم في الردّ . قال الفرّاء : وكان من لا يعرف هذه الجهة يقرأ « لأَقِسمُ » بغير ألف كأنه لام تأكيد دخلت على أقسم ، وهو صواب لأن العرب تقول : لأقسم بالله وهي قراءة الحسن وٱبن كثير والزهريّ وٱبن هُرْمز { بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } أي بيوم يقوم الناس فيه لربّهم ، ولله عز وجل أن يقسم بما شاء . { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } لا خلاف في هذا بين القراء ، وهو أنه أقسم سبحانه بيوم القيامة تعظيماً لشأنه ولم يقسم بالنفس . وعلى قراءة ٱبن كثير أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية . وقيل : { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } ردّ آخر وٱبتداء قسم بالنفس اللوامة . قال الثعلبيّ : والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً . ومعنى : « بالنَّفْسِ الَّلَّوامَةِ » أي بنفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه ، يقول : ما أردتُ بكذا ؟ فلا تراه إلا وهو يعاتب نفسه قاله ٱبن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم . قال الحسن : هي والله نفس المؤمن ، ما يُرَى المؤمن إلا يلوم نفسه : ما أردتُ بكلامي ؟ ما أردتُ بأكلي ؟ ما أردتُ بحديث نفسي ؟ والفاجر لا يحاسب نفسه . وقال مجاهد : هي التي تلوم على ما فات وتندم ، فتلوم نفسها على الشر لِم فعلته ، وعلى الخير لم لا تستكثر منه . وقيل : إنها ذات اللوم . وقيل : إنها تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها فعلى هذه الوجوه تكون اللوّامة بمعنى اللائمة ، وهو صفة مدح وعلى هذا يجيء القسم بها سائغاً حسناً . وفي بعض التفسير : إِنه آدم عليه السلام لم يزل لائماً لنفسه على معصيته التي أُخرج بها من الجنة . وقيل : اللوّامة بمعنى الملُومة المذمومة عن ٱبن عباس أيضاً فهي صفة ذمّ وهو قول من نفى أن يكون قسماً إذ ليس للعاصي خَطَر يُقْسَم به ، فهي كثيرة اللوم . وقال مقاتل : هي نفس الكافر يلوم نفسه ، ويتحسّر في الآخرة على ما فرّط في جنب الله . وقال الفراء : ليس من نفس محسنة أو مسيئة إلا وهي تلوم نفسها فالمحسن يلوم نفسه أن لو كان ٱزداد إحساناً والمسيء يلوم نفسه ألا يكون ٱرعوى عن إساءته . قوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } فنعيدها خلقاً جديداً بعد أن صارت رُفاتاً . قال الزجاج : أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوّامة : ليجمعن العظام للبعث ، فهذا جواب القسم . وقال النحاس : جواب القسم محذوف أي لتبعثنّ ودلّ عليه قوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } لِلإحياء والبعث . والإنسان هنا الكافر المكذّب للبعث . الآية نزلت في عديّ بن ربيعة قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : حدّثني عن يوم القيامة متى تكون ، وكيف أمرها وحالها ؟ فأخبره النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أومن به ، أو يَجمع الله العظام ؟ ! ولهذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهمّ ٱكفني جارَيِ السُّوءِ عديَّ بن ربيعة ، والأخنَس بن شَرِيق " وقيل : نزلت في عدوّ الله أبي جهل حين أنكر البعث بعد الموت . وذكر العظام والمراد نفسه كلها لأن العظام قالَب الخَلْق . { بَلَىٰ } وقف حسن ثم تبتديء { قَادِرِينَ } . قال سيبويه : على معنى نجمعها قادرين ، فـ « ـقادِرِين » حال من الفاعل المضمر في الفعل المحذوف على ما ذكرناه من التقدير . وقيل : المعنى بلى نقدر قادرين . قال الفراء : « قَادِرِينَ » نصب على الخروج من « نَجْمَع » أي نقدر ونقوى « قَادِرِينَ » على أكثر من ذلك . وقال أيضاً : يصلح نصبه على التكرير أي « بَلَى » فليحسبنا قادرين . وقيل : المضمر كنا أي كنا قادرين في الابتداء ، وقد ٱعترف به المشركون . وقرأ ٱبن أبي عَبْلة وٱبن السَّمَيْقَع « بَلَى قَادِرُونَ » بتأويل نحن قادرون . { عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } البنان عند العرب : الأصابع ، واحدها بنانة قال النابغة : @ بِمُخَضَّبٍ رَخْصٍ كأنَّ بَنَانَهُ عَنَمٌ يَكادُ مِن اللَّطَافةِ يُعْقَدُ @@ وقال عنترة : @ وأَنَّ الموتَ طَوْعَ يدِي إِذا ما وَصَلْت بَنَانَهَا بِالهِنْدُوَانِيْ @@ فنبّه بالبنان على بقية الأعضاء . وأيضاً فإنها أصغر العظام ، فخصّها بالذكر لذلك . قال القتبيّ والزجاج : وزعموا أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام فقال الله تعالى : بلى قادرين على أن نعيد السُّلاَميّات على صغرها ، ونؤلف بينها حتى تستوي ، ومن قدر على هذا فهو على جمع الكبار أقدر . وقال ٱبن عباس وعامة المفسرين : المعنى : « عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ » أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخفّ البعير ، أو كحافر الحمار ، أو كظلف الخنزير ، ولا يمكنه أن يعمل به شيئاً ، ولكنا فرّقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء . وكان الحسن يقول : جعل لك أصابع فأنت تبسطهنّ ، وتقبضهن بهنّ ، ولو شاء الله لجمعهنّ فلم تتق الأرض إلا بكفيك . وقيل : أي نقدر أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم ، فكيف في صورته التي كان عليها وهو كقوله تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ . عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الواقعة : 60 - 61 ] . قلت : والتأويل الأوّل أشبه بمساق الآية . والله أعلم . قوله تعالى : { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } قال ٱبن عباس : يعني الكافر يكذّب بما أمامه من البعث والحساب . وقاله عبد الرحمن بن زيد ودليله : { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } أي يسأل متى يكون ! على وجه الإنكار والتكذيب . فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب ، ولكن يأثم لما بين يديه . ومما يدل على أن الفجور التكذيب ما ذكره القُتَبِيّ وغيره : أن أعرابيًّا قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشكا إليه نَقْب إبله ودَبَرها ، وسَأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله فقال الأعرابيّ : @ أَقْسمَ بِاللَّهِ أبو حفصٍ عُمَرْ ما مَسَّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ فٱغفِـر له اللّهـمّ إنْ كان فَجَـرْ @@ يعني إن كان كذّبني فيما ذكرت . وعن ٱبن عباس أيضاً : يعجِّل المعصية ويسوِّف التوبة . وفي بعض الحديث قال : يقول سوف أتوب ولا يتوب فهو قد أخلف فكذب . وهذا قول مجاهد والحسن وعِكرمة والسّديّ وسعيد بن جبير ، يقول : سوف أتوب ، سوف أتوب ، حتى يأتيه الموت على أشرّ أحواله . وقال الضحاك : هو الأمل يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا ولا يذكر الموت . وقيل : أي يعزم على المعصية أبداً وإن كان لا يعيش إلا مدّة قليلة . فالهاء على هذه الأقوال للإنسان . وقيل : الهاء ليوم القيامة . والمعنى بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة . والفجور أصله الميل عن الحقّ . { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } أي متى يوم القيامة .