Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 7-13)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } قرأ نافع وأبان عن عاصم « بَرَقَ » بفتح الراء ، معناه : لمع بصره من شدّة شخوصه ، فتراه لا يَطرِف . قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت . وقال الحسن : هذا يوم القيامة . وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ * وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } . والباقون بالكسر « بَرِقَ » ومعناه : تحيّر فلم يَطرِف قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما . قال ذو الرمّة : @ ولو أنّ لُقْمَانَ الحكيم تَعَرَّضَتْ لِعينيهِ مَيٌّ سافِراً كاد يَبْرَقُ @@ الفرّاء والخليل : « برِقَ » بالكسر : فَزِع وبُهِت وتَحيَّر . والعرب تقول للإنسان المتحيِّر المبهوت : قد بَرِق فهو برِقٌ وأنشد الفرّاء : @ فنَفْسَكَ فٱنْعَ ولا تنَعَنِي ودَاوِ الكُلُومَ ولا تَبْرِقِ @@ أي لا تَفزَع من كثرة الكُلُوم التي بك . وقيل : برَقَ يَبرُق بالفتح : شقّ عينيه وفتحهما . قاله أبو عبيدة وأنشد قول الكلابيّ : @ لما أتانِي ٱبنُ عُمَيرٍ راغِباً أعطيتُه عِيساً صِهاباً فبَرقَ @@ أي فتح عينيه . وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنًى . قوله تعالى : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أي ذهب ضوءه . والخسوف في الدنيا إلى ٱنجلاء ، بخلاف الآخرة ، فإنه لا يعود ضوءه . ويحتمل أن يكون بمعنى غاب ومنه قوله تعالى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } [ القصص : 81 ] وقرأ ٱبن أبي إسحاق وعيسى والأعرج : « وَخُسِفَ الْقَمَر » بضم الخاء وكسر السين يدل عليه « وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ » . وقال أبو حاتم محمد بن إدريس : إذا ذهب بعضه فهو الكسوف ، وإذا ذهب كله فهو الخسوف . { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } أي جمع بينهما في ذهاب ضوئهما ، فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه قاله الفراء والزجاج . قال الفراء : ولم يقل جمعت لأن المعنى جمع بينهما . وقال أبو عبيدة : هو على تغليب المذكر . وقال الكسائيّ : هو محمول على المعنى ، كأنه قال الضوءان . المبرد : التأنيث غير حقيقي . وقال ٱبن عباس وٱبن مسعود : جمع بينهما أي قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مُكوَّرين مظلمين مُقرَنَين كأنهما ثوران عَقيران . وقد مضى الحديث بهذا المعنى في آخر سورة « الأنعام » . وفي قراءة عبد الله « وَجُمِعَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ » وقال عطاء بن يسار : يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر ، فيكونان نار الله الكبرى . وقال على وٱبن عباس : يجعلان في نور الحجب . وقد يجمعان في نار جهنم لأنهما قد عبِدَا من دون الله ولا تكون النار عذاباً لهما لأنهما جماد ، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم . وفي مسند أبي داود الطيالسيّ ، عن يزيد الرقاشيّ ، عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس والقمر ثوران عَقيران في النار " وقيل : هذا الجمع أنهما يجتمعان ولا يفترقان ، ويقربان من الناس ، فيلحقهم العرق لشدّة الحر فكأن المعنى يجمع حرهما عليهم . وقيل : يجمع الشمس والقمر ، فلا يكون ثَمَّ تعاقب ليل ولا نهار . قوله تعالى : { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } ؟ أي يقول ٱبن آدم ، ويقال : أبو جهل أي أين المهرب ؟ قال الشاعر : @ أين المفرُّ والكِباشُ تَنتطِحْ وأيُّ كَبْشٍ حاد عنها يَفْتَضِحْ @@ الماورديّ : ويحتمل وجهين : أحدهما { أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } من الله ٱستحياء منه . الثاني { أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } من جهنم حذراً منها . ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين : أحدهما أن يكون من الكافر خاصة في عَرْضة القيامة دون المؤمن لثقة المؤمن ببشرى ربه . الثاني أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها . وقراءة العامة « الْمَفَرُّ » بفتح الفاء وٱختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لأنه مصدر . وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بكسر الفاء مع فتح الميم قال الكسائي : هما لغتان مثل مَدَبّ ومَدِبّ ، ومَصَحّ ومَصِحّ . وعن الزهريّ بكسر الميم وفتح الفاء . المهدويّ : من فتح الميم والفاء من « المفر » فهو مصدر بمعنى الفرار ، ومن فتح الميم وكسر الفاء فهو الموضع الذي يفرّ إليه . ومن كسر الميم وفتح الفاء فهو الإنسان الجيّد الفرار فالمعنى أين الإنسان الجيّد الفرار ولن ينجو مع ذلك . قلت : ومنه قول ٱمرىء القيس : @ مِكَـرّ مِفَـرّ مُقْبِل مُدْبِـرٍ مَعـاً @@ يريد أنه حسن الكرّ والفرّ جَيِّدَه . { كَلاَّ } أي لا مفرّ فـ « ـكَلاَّ » ردٌّ وهو من قول الله تعالى ، ثم فسر هذا الردّ فقال : { لاَ وَزَرَ } أي لا ملجأ من النار . وكان ٱبن مسعود يقول : لا حِصن . وكان الحسن يقول : لا جبل . وٱبن عباس يقول : لا ملجأ . وٱبن جُبير : لا محيص ولا منعة . المعنى في ذلك كله واحد . والوَزَر في اللغة : ما يلجأ إليه من حِصن أو جبل أو غيرهما قال الشاعر : @ لَعَمْرِيَ ما لِلفتى مِن وَزَرْ مِنَ المَوتِ يُدْرِكُه والكِبَرْ @@ قال السُّديّ : كانوا في الدنيا إذا فزِعوا تحصّنوا في الجبال ، فقال الله لهم : لاَ وَزَرَ يعصمكم يومئذ منّي قال طرفة : @ وَلَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أَنَّنَا فاضِلُوا الرَّأْيِ وَفِي الرَّوْعِ وَزَرْ @@ أي ملجأ للخائف . ويروى : وَقْرٌ . { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } أي المنتهَى قاله قتادة . نظيره : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] . وقال ٱبن مسعود : إلى ربك المصير والمرجع . قيل : أي المستقرّ في الآخرة حيث يقرّه الله تعالى إذ هو الحاكم بينهم . وقيل : إن « كَلاَّ » من قول الإنسان لنفسه إذا علم أنه ليس له مفرّ قال لنفسه : { كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } . قوله تعالى : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ } أي يخبر ٱبن آدم بَرًّا كان أو فاجراً { بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } : أي بما أسلف من عمل سَيّىء أو صالح ، أو أخَّر من سنّة سيّئة أو صالحة يُعْمَل بها بعده قاله ٱبن عباس وٱبن مسعود . وروى منصور عن مجاهد قال : ينبأ أوّل عمله وآخره . وقاله النخَعيّ . وقال ٱبن عباس أيضاً : أي بما قدّم من المعصية ، وأخَّر من الطاعة . وهو قول قتادة . وقال ٱبن زيد : « بِمَا قَدَّمَ » من أمواله لنفسه « وَأَخَّرَ » : خلّف للورثة . وقال الضحاك : ينبأ بما قدّم من فرض ، وأخَّر من فرض . قال القشيريّ : وهذا الإنباء يكون في القيامة عند وزن الأعمال . ويجوز أن يكون عند الموت . قلت : والأوّل أظهر لما خرجه ٱبن ماجه في سننه من حديث الزهريّ ، حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ مما يَلْحَق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته عِلماً علّمه ونَشَره ، وولداً صالحاً تركه ، أو مصحفاً ورّثه أو مسجداً بناه ، أو بيتاً لابن السبيل بناه ، أو نهراً أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته " وخرجه أبو نَعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبع يجري أجرهنّ للعبد بعد موته وهو في قبره : من علّم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو وَرَّثَ مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته " فقوله : " بعد موته وهو في قبره " نصَّ على أن ذلك لا يكون عند الموت ، وإنما يخبر بجميع ذلك عند وزن عمله ، وإن كان يبشَّر بذلك في قبره . ودل على هذا أيضاً قوله الحقّ : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] وقوله تعالى : { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النمل : 25 ] وهذا لا يكون إلا في الآخرة بعد وزن الأعمال . والله أعلم . وفي الصحيح : " من سنّ في الإسلام سنّة حسنةً كان له أجرها وأجر من عمِل بها بعده ، من غير أن يُنقَص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء "