Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 31-36)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } ذَكَر جزاء من ٱتقى مخالفة أمر الله « مَفازاً » موضع فوز ونجاة وخلاص مما فيه أهل النار . ولذلك قيل للفُلاة إذا قل ماؤها : مفازة ، تفاؤلاً بالخلاص منها . { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } هذا تفسير الفوز . وقيل : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } إن للمتقين حدائقَ جمع حديقة ، وهي البستان المُحَوَّط عليه يقال أحدق به : أي أحاط . والأعناب : جمع عنب ، أي كروم أعناب ، فحذف . { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } كواعِب : جمع كاعِب وهي الناهد يقال : كَعَبَت الجارية تَكْعَب كُعوباً ، وكَعَّبت تُكَعِّب تكعِيباً ، ونَهَدت تَنْهَد نُهوداً . وقال الضحاك : ككواعب العَذَارَى ومنه قول قيس بن عاصم : @ وكْم مِن حَصانٍ قد حَوَينا كرِيمةٍ ومِن كاعِبٍ لم تدرِما البؤسُ مُعْصِرِ @@ والأتراب : الأقران في السنّ . وقد مضي في سُورة « الواقعة » الواحد : ترب . { وَكَأْساً دِهَاقاً } قال الحسن وقتادة وٱبن زيد وٱبن عباس : مُتْرعة مملوءة يقال : أدهقت الكأس : أي ملأتها ، وكأس دِهاق أي ممتلِئة قال : @ ألا فاسقِنِي صِرْفاً سقانِي الساقِي مِن مائِها بِكأسك الدِّهاقِ @@ وقال خِدَاش بن زُهَير : @ أتانا عامِرٌ يبغِي قِرانَاً فأَتْرعْنا له كأساً دِهاقاً @@ وقال سعيد بن جُبير وعِكرمة ومجاهد وٱبن عباس أيضاً : متتابعة ، يَتبع بعضُها بعضاً ومنه ادَّهَقتِ الحِجارة ٱدِّهاقاً ، وهو شدّة تلازُ بها ودخول بعضها في بعض فالمتتابع كالمتداخل . وعن عِكرمة أيضاً وزيد بن أسَلم : صافية قال الشاعر : @ لأَنتِ إِلى الفؤادِ أحبُّ قرباً مِن الصادِي إِلى كأسٍ دِهاقِ @@ وهو جمع دَهَقَ ، وهو خشبتان يغمز بهما الساق . والمراد بالكأس الخمر ، فالتقدير : خمراً ذات دهاق ، أي عُصِرت وصُفِّيت قاله القشيريّ . وفي الصحاح : وأَدْهَقْت الماء : أي أفرغته إفراغاً شديداً : قال أبو عمرو : والدَّهَق بالتحريك : ضرب من العذاب . وهو بالفارسية أَشْكَنْجَهْ . المبرد : والمدهوق : المعذَّب بجميع العذاب الذي لا فُرجة فيه . ٱبن الأعرابي : دَهَقْت الشيء كسرته وقطعته وكذلك دَهْدَقْته : وأنشد لحُجْر بن خالد : @ نُدَهْدِق بَضْعَ اللحم لِلباعِ والندَى وبعضهُمُ تغلي بذمٍّ مَناقِعُهْ @@ ودَهْمَقته بزيادة الميم : مثله . وقال الأصمعي : الدهمقة : لِين الطعام وطِيبهُ ورِقته ، وكذلك كل شيء ليّن ومنه حديث عمر : لو شئت أن يُدهْمَقَ لي لفعلت ، ولكن الله عاب قوماً فقال : { أَذهبتم طيباتِكم فِي حَياتِكُمُ الدنيا وٱستمتعْتمْ بِها } [ الأحقاف : 20 ] . قوله تعالى : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } أي في الجنة { لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } اللغو : الباطل ، وهو ما يُلْغَى من الكلام ويُطَّرَح ومنه الحديث : " إذا قلت لصاحبك أنصِت يوم الجمعة والإِمام يخطب فقد لَغَوْت " وذلك أن أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم ، ولم يتكلموا بلغو بخلاف أهل الدنيا . « ولا كِذّاباً » : تقدم ، أي لا يُكَذِّب بعضهم بعضاً ، ولا يسمعون كذباً . وقرأ الكسائي « كِذَاباً » بالتخفيف من كَذَبْت كِذَاباً أي لا يتكاذَبُون في الجنة . وقيل : هما مصدران للتكذيب ، وإنما خففها ها هنا لأنها ليست مقيَّدة بفعل يصير مصدراً له ، وشدّد قوله : { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } لأن كذبوا يقيد المصدر بالكذَّاب . { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ } نصب على المصدر . لأن المعنى جزاهم بما تقدّم ذكرُه ، جَزَاءَه وكذلك { عَطَآءً } لأن معنى أعطاهم وجزاهم واحد . أي أعطاهم عطاء . { حِسَاباً } أي كثيراً قاله قتادة يقال : أَحْسَبْت فلاناً : أي كَثَّرت له العطاء حتى قاله حَسْبِي . قال : @ ونُقْفِي ولِيدَ الحيِّ إِن كان جائِعاً ونُحْسِبُهُ إِن كانَ ليس بِجائِعِ @@ وقال القُتَبِيّ : ونرى أصل هذا أن يعطيه حتى يقول حَسْبِي . وقال الزجاج : « حِساباً » أي ما يكفيهم . وقاله الأخفش . يقال : أَحسبني كذا : أي كَفاني . وقال الكلبيّ : حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشراً . مجاهد : حساباً لما عملوا ، فالحساب بمعنى العدّ . أي بقدر ما وجب له في وعد الرب ، فإنه وعد للحسنة عشراً ، ووعد لقوم بسبعمائة ضِعْف ، وقد وعد لقوم جزاء لا نهاية له ولا مِقدار كما قال تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] . وقرأ أبو هاشم « عَطاء حَسَّاباً » بفتح الحاء ، وتشديد السين ، على وزن فَعَّال أي كَفافاً قال الأصمعيّ : تقول العرب : حَسَّبْت الرجل بالشديد : إذا أكرمته وأنشد قول الشاعر : @ إذا أتـاهُ ضيفُـه يُحسِّبـهْ @@ وقرأ ٱبن عباس « حساناً » بالنون .