Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 37-40)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { رَّبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ } : قرأ ٱبن مسعود ونافع وأبو عمرو وٱبن كثير وزيد عن يعقوب ، والمفضل عن عاصم : « رَبُّ » بالرفع على الاستئناف ، « الرحمنُ » خبره . أو بمعنى : هو رب السموات ، ويكون « الرحمن » مبتدأ ثانياً . وقرأ ٱبن عامر ويعقوب وٱبن محيصن كلاهما بالخفض ، نعتاً لقوله : { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ } أي جزاء من ربك رب السموات الرحمنِ . وقرأ ٱبن عباس وعاصم وحمزة والكسائي : « رَبِّ السموات » خفضاً على النعت ، « الرحمن » رفعاً على الابتداء ، أي هو الرحمن . وٱختاره أبو عُبيد وقال : هذا اعدلُها خفض « رَبِّ » لقربه من قوله { مِّن رَّبِّكَ } فيكون نعتاً له ، ورفع « الرحمن » لبعده منه ، على الاستئناف ، وخبرهُ { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } أي لا يملكون أن يسألوه إلاّ فيما أَذِن لهم فيه . وقال الكسائي : « لا يملِكون مِنه خِطابا » بالشفاعة إلا بإذنه . وقيل : الخطاب : الكلام أي لا يملكون أن يخاطبوا الربَّ سبحانه إلا بإذْنه دليله : { لا تَكَلَّم نفس إِلا بِإذْنِهِ } [ هود : 105 ] . وقيل : أراد الكفار « لا يمِلكُون منه خِطاباً » ، فأمّا المؤمنون فيَشْفَعُون . قلت : بعد أن يُؤْذن لهم لقوله تعالى : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] وقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [ طه : 109 ] . قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } « يومَ » نصب على الظرف أي يوم لا يملِكون منه خطاباً يومَ يقوم الروح . وٱختلف في الروح على أقوال ثمانية : الأوّل أنه مَلَك من الملائكة . قال ٱبن عباس : ما خلق الله مخلوقاً بعد العرش أعظم منه ، فإذا كان يومُ القيامة قام هو وحده صفّاً ، وقامت الملائكة كلهم صفّاً ، فيكون عِظَمُ خَلْقه مثل صفوفهم . ونحو منه عن ٱبن مسعود قال : الروح ملك أعظم من السموات السبع ، ومن الأرضين السبع ، ومن الجبال . وهو حِيال السماء الرابعة ، يسبحُ اللَّهَ كل يوم ٱثنتي عشرة ألفَ تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكاً ، فيجيء يوم القيامة وحده صفّاً ، وسائر الملائكة صَفاً . الثاني أنه جبريل عليه السلام . قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير . وعن ٱبن عباس : إن عن يمين العرش نَهْراً من نور ، مثلَ السموات السبع ، والأرضين السبع ، والبحار السبع ، يَدْخل جبريل كل يوم فيه سحراً فيغتسل ، فيزداد نوراً على نوره ، وجمالاً على جماله ، وعظماً على عظمه ، ثم ينتفض فيخلق الله من كل قطرة تقع من ريشه سبعين ألفَ مَلَك ، يدخل منهم كل يوم سبعون ألفاً البيت المعمور ، والكعبة سبعون ألفاً لا يعودُون إليهما إلى يوم القيامة . وقال وهب : إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله تعالى تَرعَّدَ فرائصُه يخلق الله تعالى من كل رَعدة مائة ألف مَلَك ، فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسة رؤوسهم ، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إله إِلا أنت وهو قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في الكلام « وقال صواباً » يعني قول : « لا إله إلا أنت » . والثالث روى ٱبن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الرُّوح في هذه الآية جندٌ من جنود الله تعالى ، ليسوا ملائكة ، لهم رُؤوس وأيد وأرجل ، يأكلون الطعام " ثم قرأ { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } ، فإن هؤلاء جُند ، وهؤلاء جُند . وهذا قول أبي صالح ومجاهد . وعلى هذا هم خَلْق على صورة بني آدم ، كالناس وليسوا بناس . الرابع أنهم أشرافِ الملائكة قاله مقاتل بن حَيّان . الخامس أنهم حَفَظَة على الملائكة قاله ٱبن أبي نجيح . السادس أنهم بنو آدم ، قاله الحسن وقتادة . فالمعنى ذوو الروح . وقال العَوَفي والقُرَظيّ : هذا مما كان يكتمه ٱبن عباس قال : الرُّوح : خلق من خلق الله على صور بني آدم ، وما نَزَلَ مَلَك من السماء إلا ومعه واحد من الرُّوح . السابع أرواح بني آدم تقوم صَفًّا ، فتقوم الملائكة صفّاً ، وذلك بين النفختين ، قبل أن تردّ إلى الأجساد قاله عَطية . الثامن أنه القرآن قاله زيد بن أسلم ، وقرأ { وكذلك أوحَيْنا إِليك رُوحاً مِن أمرِنا } [ الشورى : 52 ] و « صفًّا » : مصدر أي يقومون صُفوفاً . والمصدر ينبيء عن الواحد والجمع ، كالعدل والصوم . ويقال ليوم العيد : يوم الصف . وقال في موضع آخر : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] هذا يدل على الصفوف ، وهذا حينَ العرض والحساب . قال معناه القُتَبيُّ وغيره . وقيل : يقوم الروح صفاً ، والملائكة صفاً ، فهم صفان . وقيل : يقوم الكل صفاً واحداً . { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } أي لا يشفَعون { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في الشفاعة { وَقَالَ صَوَاباً } يعني حقًّا قاله الضحاك ومجاهد . وقال أبو صالح : لا إله إلا الله . وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال : يَشفعون لمن قال لا إله إلا الله . وأصل الصواب : السداد من القول والفعل ، وهو من أصاب يصيب إصابة كالجواب من أجاب يجيب إجابة . وقيل : « لا يتكلمون » يعني الملائكة والرُّوح الذين قاموا صفاً ، لا يتكلمون هيبة وإجلالاً « إِلا من أذِن له الرحمنُ » في الشفاعة وهم قد قالوا صوابا ، وأنهم يوحِّدون الله تعالى ويسبحونه . وقال الحسن : إن الرُّوح يقول يوم القيامة : لا يدخل أحد الجنة إلا بالرحمة ، ولا النار إلا بالعمل . وهو معنى قوله تعالى : { وَقَالَ صَوَاباً } . قوله تعالى : { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } أي الكائن الواقع { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } أي مرجعاً بالعمل الصالح كأنه إذا عمل خيراً ردّه إلى الله عز وجل ، وإذا عمل شراً عده منه . ويَنْظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام : " والخير كله بيديك ، والشر ليس إليك " وقال قتادة : « مآباً » : سبيلاً . قوله تعالى : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } : يخاطب كفار قريش ومشركي العرب لأنهم قالوا : لا نبعث . والعذاب عذاب الآخرة ، وكل ما هو آتٍ فهو قريب ، وقد قال تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] قال معناه الكلبي وغيره . وقال قتادة : عقوبة الدنيا لأنها أقرب العذابين . قال مقاتل : هي قتلُ قريش ببدْر . والأظهر أنه عذاب الآخرة ، وهو الموت والقيامة لأن من مات فقد قامت قيامته ، فإن كان من أهل الجنة رأى مَقعدَه من الجنة ، وإن كان من أهل النار رأى الخِزْي والهوان ولهذا قال تعالى : { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } بَيَّن وقت ذلك العذاب أي أنذرناكم عذاباً قريباً في ذلك اليوم ، وهو يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، أي يراه ، وقيل : ينظر إلى ما قدمت فحذف إلى . والمرء ها هنا المؤمن في قول الحسن أي يجد لنفسه عملاً ، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملاً ، فيتمنى أن يكون تراباً . ولما قال : { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ } علم أنه أراد بالمرء المؤمن . وقيل : المرء ها هنا : أبيّ خلف وعُقْبة بن أبي مُعَيط . « ويقول الكافِر » أبو جهل . وقيل : هو عام في كل أحد وإنسان يَرَى في ذلك اليوم جزاء ما كَسَب . وقال مُقاتل : نزلت قوله « يوم ينظر المرء ما قدمت يداه » في أبي سَلَمة بن عبد الأسَد المخزوميّ { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } : في أخيه الأسود بن عبد الأسد . وقال الثعلبيّ : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر : ها هنا إبليس ، وذلك أنه عاب آدم بأنه خُلِق من تراب ، وٱفتخر بأنه خُلق من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة والرحمة ، ورأى ما هو فيه من الشدة والعذاب ، تمنى أنه يكون بمكان آدم ، فـ « يقول ياليتنِي كنت ترابا » قال : ورأيته في بعض التفاسير للقُشَيري أبي نصر . وقيل : أي يقول إبليس ياليتني خُلِقت من التراب ولم أقل أنا خير من آدم . وعن ٱبن عمر : إذا كان يومُ القيامة مُدَّتِ الأرض مَدَّ الأدِيم ، وحُشِر الدوابُّ والبهائم والوحوش ، ثم يوضعُ القِصاص بين البهائم ، حتى يُقْتَص للشاة الجمَّاء من الشاة القَرْناء بنطحتها ، فإذا فرغ من القِصاص بينها قيل لها : كوني تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر : { يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } . ونحوه عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم . وقد ذكرناه في كتاب « التذكرة ، بأحوال الموتى وأمور الآخرة » ، مجوداً والحمد لله . ذكر أبو جعفر النّحاس : حدثنا أحمد بن محمد بن نافع ، قال حدثنا سَلَمة بن شبيب ، قال حدثنا عبد الرازق ، قال حدثنا مَعْمر ، قال أخبرني جعفر بن بَرْقان الجَزَريّ ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، قال : إن الله تعالى يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان ، ثم يقال للبهائم والطير كوني تراباً ، فعند ذلك « يقول الكافر : ياليتني كنتُ تُرابا » . وقال قوم : « ياليتنِي كنت ترابا » : أي لم أبعث ، كما قال : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } [ الحاقة : 25 ] وقال أبو الزّناد : إذا قُضِي بين الناس ، وأُمِر بأهل الجنة إلى الجنة ، وأهلِ النار إلى النار ، قيل لسائر الأمم ولمؤمني الجنّ : عودُوا تراباً ، فيعودن تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم « ياليتني كنت تراباً » . وقال ليث بن أبي سليم : مؤمنو الجنّ يعودون تراباً . وقال عمر بن عبد العزيز والزهريّ والكلبيّ ومجاهد : مؤمنو الجِنةِ حول الجنة في رَبِضٍ ورِحاب وليسوا فيها . وهذا أصح ، وقد مضى في سورة « الرحمن » بيان هذا ، وأنهم مكلَّفون : يُثابون ويعاقبون ، فهم كبني آدم ، والله أعلم بالصواب .