Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 6-16)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } : دلهم على قدرته على البعث أي قُدْرتنا على إيجاد هذه الأمور أعظم من قدرتنا على الإعادة . والمِهاد : الوِطاء والفراش . وقد قال تعالى : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً } [ البقرة : 22 ] وقُرِىء « مَهْداً » . ومعناه أنها لهم كالمهد للصبيّ وهو ما يمهد له فينوّم عليه { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } أي لتسكن ولا تتكَفْأ ولا تميل بأهلها . { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } أي أصنافاً : ذكراً وأنثى . وقيل : ألواناً . وقيل : يدخل في هذا كل زوج من قبيح وحسن ، وطويل وقصير لتختلف الأحوال فيقع الاعتبار ، فيشكر الفاضل ويصبر المفضول . { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ } « جعلنا » معناه صَيَّرنا ولذلك تعدّت إلى مفعولين . { سُبَاتاً } المفعول الثاني ، أي راحة لأبدانكم ، ومنه يوم السَّبْت أي يوم الراحة أي قيل لبني إسرائيل : ٱستريحوا في هذا اليوم ، فلا تعملوا فيه شيئاً . وأنكر ٱبن الأنباري هذا وقال : لا يقال للراحة سُبَات . وقيل : أصله التمدّد يقال : سبتت المرأة شعرها : إذا حلته وأرسلته ، فالسُبَات كالمد ، ورجل مسبوت الخلق : أي ممدود . وإذا أراد الرجل أن يستريح تمدّد ، فسميت الراحة سبتا . وقيل : أصله القُطْع يقال : سَبَتَ شعره سَبْتا : حَلَقه وكأنه إذا نام ٱنقطع عن الناس وعن الاشتغال ، فالسُّبات يشبه الموت ، إلا أنه لم تفارقه الروح . ويقال : سَير سَبْت : أي سهل لين قال الشاعر : @ وَمطْويةِ الأقرابِ أمّا نهارُها فَسَبْتٌ وأمّا ليلُها فذَمِيلُ @@ قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِبَاساً } أي تلبَسكم ظلمته وتغشاكم قاله الطبري . وقال ٱبن جُبير والسُّدي : أي سَكنا لكم . { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } فيه إضمار ، أي وقْتَ معاشٍ ، أي مُتَصَرَّفاً لِطلب المعاش وهو كل ما يُعاش به من المطعم والمشرب وغير ذلك فـ « ـمعاشا » على هذا ٱسم زمان ، ليكون الثاني هو الأول . ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى العيش على تقدير حذف المضاف . { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } أي سبع سموات محكمات أي محكمة الخلق وثيقة البنيان . { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } أي وقَّاداً وهي الشمس . وجعل هنا بمعنى خلق لأنها تعدّت لمفعول واحد والوهاج الذي له وَهَج يقال وهَجَ يهِج وَهْجا ووَهَجاً ووَهَجَاناً . ويقال للجوهر إذا تلالأ توهّج . وقال ٱبن عباس : وهَّاجاً منيراً متلألئاً . { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } قال مجاهد وقتادة : والمعصِرات الرياح . وقاله ابن عباس . كأنها تَعْصِر السحاب . وعن ٱبن عباس أيضاً : أنها السحاب . وقال سفيان والربيع وأبو العالية والضحاك : أي السحائب التي تنعصِر بالماء ولما تُمْطر بعد ، كالمرأة المُعْصِر التي قددنا حيضُها ولم تحض ، قال أبو النجم : @ تمشِي الهُوَينَى مائلاً خِمارُها قد أَعْصَرتْ أوقد دنا إعصارها @@ وقال آخر : @ فكان مجِني دون من كنت أتقِي ثَلاثُ شُخُوصٍ كاعِبان ومُعْصِرُ @@ وقال آخر : @ وذِي أشُرٍ كالأُقْحوانِ يزِينهُ ذِهابُ الصَّبا والمُعْصِراتُ الرَّوائِحُ @@ فالرياح تسمى مُعْصرات يقال : أَعْصَرَت الريح تُعْصِر إعصاراً : إذا أثارت العجاج ، وهي الإِعصار ، والسحب أيضاً تسمى المُعْصِرات لأنها تمطر . وقال قتادة أيضاً : المُعْصِرات السماء ، النَّحَّاس : هذه الأقوال صحاح يقال للرياح التي تأتي بالمطر مُعْصرات ، والرياح تلقح السحاب ، فيكون المطر ، والمطر ينزل من الريح على هذا . ويجوز أن تكون الأقوال واحدة ، ويكون المعنى وأنزلنا من ذوات الرياح المُعصِرات { مَآءً ثَجَّاجاً } وأصح الأقوال أن المعصرات : السحاب . كذا المعروف أن الغيث منها ، ولو كان بالمعُصرات لكان الريح أولى . وفي الصحاح : والمعصرات السحائب تُعْتَصر بالمطر . وأُعِصر القوم أي أمطِروا ومنه قرأ بعضهم « وفِيه يُعْصِرون » والمعصِر : الجارية أوّل ما أدركت وحاضت يقال : قد أعصرت كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته قال الراجز : @ جارِيةٌ بَسفَوانَ دارها تمشِي الهُوَيْنَى ساقِطاً خمارُها قد أَعصَرَتْ أو قد دنا إعصارُها @@ والجمع : مَعاصِر ، ويقال : هي التي قاربت الحيض لأن الإعصار في الجارية كالمراهقة في الغلام . سمعته من أبي الغوت الأعرابيّ . قال غيره : والمُعصر السحابة التي حان لها أن تمطر يقال أجن الزرع فهو مُجنّ : أي صار إلى أَن يُجِنّ ، وكذلك السحاب إذا صار إلى أن يمطر فقد أعصر . وقال المبرَّد : يقال سحاب معصر أي ممسك للماء ، ويُعْتَصر منه شيء بعد شيء ، ومنه العَصَر بالتحريك للملجأ الذي يلجأ إليه ، والعُصْرة بالضم أيضاً الملجأ . وقد مضى هذا المعنى في سورة « يوسف » والحمد لله . وقال أبو زبيد : @ صادِياً يستغِيثُ غير مُغاثٍ ولقدْ كان عُصْرة المنْجودِ @@ ومنه المُعصِر للجارية التي قد قربت من البلوغ يقال لها مُعصِر لأنها تُحْبَس في البيت ، فيكون البيت لها عَصَرا . وفي قراءة ٱبن عباس وعِكرمة « وأَنزلنا بِالمعصِراتِ » . والذي في المصاحف « مِن المعصِراتِ » قال أبيّ بن كعب والحسن وٱبن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان : « مِن المعصِراتِ » أي من السموات . « ماء ثَجاجا » صباباً متتابعاً عن ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما . يقال : ثَجَجْت دمَه فأنا أَثُجه ثجا ، وقد ثج الدم يَثُج ثجوجاً ، وكذلك الماء ، فهو لازم ومتعدّ . والثجاج في الآية المنصَبّ . وقال الزجاج : أي الصَّبَّاب ، وهو متعدّ كأنه يثج : نفسه أي يَصُبّ ، وقال عَبِيد بن الأبرص : @ فثَجَّ أعلاه ثم ٱرتجَّ أَسفلُه وضاقَ ذَرْعا بِحَملِ الماءِ مُنْصاحِ @@ وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الحج المبرور فقال : " العَجّ والثَّجّ " فالعج : رفع الصوت بالتلبية ، والثج : إراقة الدماء وذبح الهدايا . وقال ٱبن زيد : ثجاجاً كثيراً . والمعنى واحد . قوله تعالى : { لِّنُخْرِجَ بِهِ } أي بذلك الماء { حَبّاً } كالحنطة والشعير وغير ذلك { وَنَبَاتاً } من الأبّ ، وهو ما تأكله الدواب من الحشيش . { وَجَنَّاتٍ } أي بساتين { أَلْفَافاً } أي ملتفة بعضها ببعض لتشعّب أغصانها ، ولا واحد له كالأوزاع والأخياف . وقيل : واحد الألفاف لِفٌّ بالكسر ، ولُفّ بالضم . ذكره الكسائي قال : @ جنة لُفٌّ وعيشٌ مُغْدِق ونَدامَى كلُّهمْ بِيضٌ زُهُرْ @@ وعنه أيضاً وأبي عبيدة : لفيف كشريف وأشراف . وقيل : هو جمع الجمع . حكاه الكسائي . يقال : جنة لَفَّاء ونبت لِفٌّ والجمع لُفٌّ بضم اللام مثل حمر ، ثم يجمع اللّف ألفافاً . الزمخشري : ولو قيل جمع مُلْتفة بتقدير حذف الزوائد لكان وجيهاً . ويقال : شجرة لَفّاء وشجر لُفّ وامرأة لفاء : أي غليظة الساق مجتمعة اللحم . وقيل : التقدير : ونخرج به جنات ألفافاً ، فحذف لدلالة الكلام عليه . ثم هذا الالتفاف والانضمام معناه أن الأشجار في البساتين تكون متقاربة ، فالأغصان من كل شجرة متقاربة لقوتها .