Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 27-33)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } : يريد أهل مكة ، أي أخلقكم بعد الموت أشدّ في تقديركم { أَمِ ٱلسَّمَآءُ } فمن قَدَر على السماء قَدَر على الإعادة كقوله تعالى : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } وقوله تعالى : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } ، فمعنى الكلام التقريع والتوبيخ . ثم وصف السماء فقال : { بَنَاهَا } أي رفعها فوقكم كالبناء . { رَفَعَ سَمْكَهَا } أي أعلى سقْفها في الهواء يقال : سَمَكت الشيءَ أي رفعته في الهواء ، وسَمَك الشيءُ سُمُوكاً : ٱرتفع . وقال الفرّاء : كل شيء حَمَل شيئاً من البناء وغيره فهو سَمْك . وبناء مَسْمُوك وسَنام سامِك تامِك أي عالٍ ، والمسموكات : السَّمَوات . ويقال : ٱسْمُك في الدَّيْم ، أي ٱصعد في الدرجة . قوله تعالى : { فَسَوَّاهَا } أي خلقها خلقاً مستوياً ، لا تفاوت فيه ، ولا شُقوق ، ولا فُطُور . { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } أي جعله مظلماً غَطِشَ الليلُ وأغطشُه الله كقولك : ظَلِم الليلُ وأظلمه الله . ويقال أيضاً : أغطشَ الليلُ بنفسه ، وأغطشه الله كما يقال : أظلَم الليلُ ، وأظلمه الله . والغَطَش والغَبَش : الظلمة . ورجل أغطَش : أي أعمى ، أو شبيه به ، وقد غَطِش ، والمرأة غَطْشاء ويقال : ليلة غَطْشاء ، وليلٌ أغطش ، وفلاة غَطْشَى لا يُهْتَدَى لها قال الأعشى : @ ويَهْماءَ بالليلِ غَطشَى الفَلا ةِ يؤنِسنِي صوتُ فَيادِها @@ وقال الأعشى أيضاً : @ عَقَرْتُ لهمْ مَوْهِناً ناقتِي وغامِرُهُمْ مدلهِمٌّ غَطِشْ @@ يعني بغامرهم ليلهم ، لأنه غمرهم بسواده . وأضاف الليل إلى السماء لأن الليل يكون بغروب الشمس ، والشمس مضاف إلى السماء ويقال : نجوم الليل ، لأن ظهورها بالليل . { وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } أي أبرز نهارَها وضوءها وشمسها . وأضاف الضُّحا إلى السماء كما أضاف إليها الليل لأن فيها سبب الظلام والضياء وهو غروب الشمس وطلوعها . { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } أي بسطها . وهذا يشير إلى كون الأرض بعد السماء . وقد مضى القول فيه في أول « البقرة » عند قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 29 ] مستوفًى . والعرب تقول : دَحَوْت الشيءَ أدحوه دحواً : إذا بسطته . ويقال لعش النعامة أُدحِيّ لأنه مبسوط على وجه الأرض . وقال أمية بن أبي الصلت : @ وبثَّ الخلقَ فيها إِذ دَحاها فهُمْ قُطَّانُها حتّى التنادِي @@ وأنشد المبرّد : @ دحاها فلما رآها ٱستوت على الماءِ أرسى عليها الجِبالاَ @@ وقيل : دحاها سوّاها ومنه قول زيد بن عمرو : @ وأَسلمتُ وجهي لمن أَسلمتْ له الأَرضُ تحمِل صَخْراً ثِقالا دحاها فلما ٱستوت شَدَّها بأيْدٍ وأرسَي عليها الجِبالا @@ وعن ٱبن عباس : خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان ، قبل أن يخلق الدنيا بألف عام ، ثم دُحيت الأرض من تحت البيت . وذكر بعض أهل العلم أنّ « بعد » في موضع « مع » كأنه قال : والأرض مع ذلك دحاها كما قال تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] . ومنه قولهم : أنت أحمق وأنت بعد هذا سَيِّءُ الخلق قال الشاعر : @ فقلت لها عَنِّي إِليكِ فإنّنِي حَرَامٌ وإِني بعد ذاك لَبيبُ @@ أي مع ذلك لبيب . وقيل : بعد : بمعنى قبل كقوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } [ الأنبياء : 105 ] أي من قبل الفرقان قال أبو خِرَاش الهذليّ : @ حَمدتُ إِلهِي بعد عروة إِذنجا خِراشٌ وبعض الشر أهون مِن بعضِ @@ وزعموا أَن خِراشاً نجا قبل عروة . وقيل : « دحاها » : حرثَها وشقها . قاله ٱبن زيد . وقيل : دحاها مهّدها للأقوات . والمعنى متقارب . وقراءة العامة « والأَرضَ » بالنصب ، أي دحا الأرض . وقرأ الحسن وعمرو ابن ميمون « والأرض » بالرفع ، على الابتداء لرجوع الهاء . ويقال : دحا يدحو دَحْوا ودَحَى يَدْحَى دحيا كقولهم : طغَى يطغَى ويطغُو ، وطغِىَ يطغى ، ومحا يمحو ويمحي ، ولَحَى العودَ يلحَى ويلحو ، فمن قال : يدحو قال دحوت ومن قال يدحي قال دحْيت . { أَخْرَجَ مِنْهَا } أي أخرج من الأرض { مَآءَهَا } أي العيون المتفجرة بالماء . { وَمَرْعَاهَا } أي البنات الذي يُرْعَى . وقال القُتَبي : دل بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام من العشب والشجر والحب والتمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء . { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } قراءةُ العامة « والجبالَ » بالنصْب ، أي وأرسَى الجبال « أرساها » يعني : أثبتها فيها أوتاداً لها . وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم « والجِبالُ » بالرفع على الابتداء . ويقال : هلا أدخل حرف العطف على « أخرج » فيقال : إنه حال بإضمار قد كقوله تعالى : « حصِرت صدورهم » . { مَتَاعاً لَّكُمْ } أي منفعة لكم . { وَلأَنْعَامِكُمْ } من الإبل والبقر والغنم . و « متاعا » نصب على المصدر من غير اللفظ لأن معنى « أخرج مِنها ماءها ومرعاها » أمتع بذلك . وقيل : نصب بإسقاط حرف الصفة تقديره لتتمتعوا به متاعاً .