Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه سبع مسائل : الأُولى روى عُبادة بن الصّامت قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بَدر فَلَقُوا العدوّ فلما هزمهم الله ٱتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستولت طائفة على العسكر والنهب فلما نفى الله العدوّ ورجع الذين طلبوهم قالوا : لنا النفل ، نحن الذين طلبنا العدوّ وبنَا نفاهم الله وهزمهم . وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنتم أحقّ به منا ، بل هو لنا ، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدوّ منه غِرة . وقال الذين استلووا على العسكر والنهب : ما أنتم بأحقّ منا ، هو لنا ، نحن حَوَيْنَاه واستوْلَينا عليه فأنزل الله عز وجل : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فُوَاقٍ بينهم . قال أبو عمر : قال أهل العلم بلسان العرب : استَلْوَوْا أطافوا وأحاطوا يقال : الموت مُسْتَلْوٍ على العباد . وقوله : « فقسمه عن فُواق » يعني عن سرعة . قالوا : والفُوَاق ما بين حَلْبَتي الناقة . يقال : انتظره فُواقَ ناقة ، أي هذا المقدار . ويقولونها بالضم والفتح : فُواق وفَواق . وكانَ هذا قبل أن ينزل : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } [ الأنفال : 41 ] الآية . وكأنّ المعنى عند العلماء : أي إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعملُ بها بما يقرّب من الله تعالى . وذكر محمد بن إسحاق قال : حدّثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى الأشْدَق عن مكحول عن أبي أمامة الباهليّ قال : سألت عُبادة بن الصّامت عن الأنفال فقال : فينا معشر أصحاب بدرٍ نزلت حين اختلفنا في النّفلَ ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بَواء . يقول : على السّوَاء . فكان ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البَيْن . ورُوي في الصحيح " عن سعد بن أبي وَقّاص قال : ٱغتنم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة ، فإذا فيها سيف ، فأخذتهُ فأتيت به النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت : نَفِّلني هذا السيف ، فأنا من قد علمتَ حاله . قال : « ردّه من حيث أخذته » فانطلقت حتى أردت أن ألقيَه في القَبَض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت : أعطنيه . قال : فشدّ لي صوته « ردّه من حيث أخذته » فٱنطلقت حتى أردت أن ألقِيَه في القَبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت : أعطنيه ، قال : فشدّ لي صوته « ردّه من حيث أخذته » فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } " لفظ مسلم . والروايات كثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية ، والله الموفق للهداية . الثانية الأنفال واحدها نَفَل بتحريك الفاء قال : @ إنّ تَقْوَى رَبِّنا خيرُ نَفَل وبإذن الله رَيْثِي والعَجَلْ @@ أي خير غنيمة . والنَّفْل : اليمين ومنه الحديث " فتبرئكم يهود بنَفْل خمسين منهم " والنّفْل الانتفاء ومنه الحديث " فٱنتفل من ولدها " والنَّفَل : نبت معروف . والنَّفْل : الزيادة على الواجب ، وهو التطوع . وولد الولد نافلة لأنه زيادة على الولد . والغنيمة نافلة لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأُمة مما كان محرّماً على غيرها . قال صلى الله عليه وسلم : " فُضِّلت على الأنبياء بست وفيها وأُحِلَّت لِيَ الغنائم " والأنفال : الغنائم أنفسها . قال عنترة : @ إنّا إذا ٱحمر الوَغَى نُروِي القنا ونَعِفّ عند مقاسم الأنفال @@ أي الغنائم . الثالثة وٱختلف العلماء في محل الأنفال على أربعة أقوال : الأول محلها فيما شذ عن الكافرين إلى المسلمين أو أخذ بغير حرب . الثاني محلها الخمس . الثالث خمس الخمس . الرابع رأس الغنيمة حسب ما يراه الإمام . ومذهب مالك رحمه الله أن الأنفال مواهب الإمام من الخمس ، على ما يرى من الاجتهاد ، وليس في الأربعة الأخماس نفل ، وإنما لم ير النفل من رأس الغنيمة لأن أهلها معيَّنون وهم المُوجِفون ، والخمس مردود قسمه إلى ٱجتهاد الإمام . وأهلُه غير معيّنين . قال صلى الله عليه وسلم : " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم " فلم يمكن بعد هذا أن يكون النفل من حق أحد ، وإنما يكون من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخمس . هذا هو المعروف من مذهبه وقد روي عنه أن ذلك من خمس الخمس . وهو قول ابن المسيِّب والشافعيّ وأبي حنيفة . وسبب الخلاف حديثُ ابن عمر ، رواه مالك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة قِبَل نَجْد فَغنِموا إبلاً كثيرة ، وكانت سُهْمانهم ٱثْنَيْ عشر بعيراً أو أحد عشر بعيراً ونُفِّلوا بعِيراً بعيراً . هكذا رواه مالك على الشك في رواية يحيى عنه ، وتابعه على ذلك جماعة رواةِ الموطأ إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، فقال فيه : فكانت سُهْمانهم ٱثني عشر بعيراً ، ونُفِّلوا بعيراً بعيراً . ولم يشُك . وذكر الوليد بن مسلم والحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ٱبن عمر قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد في رواية الوليد : أربعة آلاف وٱنبعثت سرية من الجيش في رواية الوليد : فكنت ممن خرج فيها فكان سهمان الجيش ٱثنى عشر بعيراً ، اثني عشر بعيراً ونفل أهل السرية بعيراً بعيراً فكان سهمانهم ثلاثة عشر بعيراً ذكره أبو داود . فٱحتج بهذا من يقول إن النَّفل إنما يكون من جملة الخمس . وبيانه أن هذه السرية لو نزّلت على أن أهلها كانوا عشرةً مثلاً أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين ، أخرج منها خمسها ثلاثين وصار لهم مائة وعشرون ، قُسِّمت على عشرة وجب لكل واحد ٱثنا عشر بعيراً ، اثنا عشر بعيراً ، ثم أعطى القوم من الخمس بعيراً بعيراً لأن خمس الثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة . فإذا عرفت ما للعشرة عرفت ما للمائة والألف وأزيد . واحتج من قال : إن ذلك كان من خمس الخمس بأن قال : جائز أن يكون هناك ثياب تباع ومتاع غير الإبل ، فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من تلك العُرُوض . ومما يعضد هذا ما روى مسلم في بعض طرق هذا الحديث : فأصبنا إبلاً وغنماً الحديثَ . وذكر محمد ابن إسحاق في هذا الحديث أن الأمير نفّلهم قبل القسم ، وهذا يوجب أن يكون النفل من رأس الغنيمة ، وهو خلاف قول مالك . وقول من روى خلافه أولى لأنهم حفّاظ قاله أبو عمر رحمه الله . وقال مكحول والأوزاعيّ : لا ينفَّل بأكثر من الثلث وهو قول الجمهور من العلماء . قال الأوزاعيّ : فإن زادهم فَلْيف لهم ويجعل ذلك من الخمس . وقال الشافعيّ : ليس في النَّفَل حدّ لا يتجاوزه الإمام . الرابعة ودلّ حديث ابن عمر على ما ذكره الوليد والحكَم عن شعيب عن نافع أن السريّة إذا خرجت من العسكر فغَنِمت أن العسكر شركاؤهم . وهذه مسألة وحُكْم لم يذكره في الحديث غير شعيب عن نافع ، ولم يختلف العلماء فيه ، والحمد لله . الخامسة واختلف العلماء في الإمام يقول قبل القتال : من هدم كذا من الحِصْن فله كذا ، ومن بلغ إلى موضع كذا فله كذا ، ومن جاء برأسٍ فله كذا ، ومن جاء بأسير فله كذا يُضَرِّيهم . فرُوِي عن مالك أنه كرهه . وقال : هو قتال على الدنيا . وكان لا يجيزه . قال الثَّوْرِيّ : ذلك جائز ولا بأس به . قلت : وقد جاء هذا المعنى مرفوعاً من حديث ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا " الحديث بطوله . وفي رواية عكرمة عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من فعل كذا وكذا وأتى مكان كذا وكذا فله كذا " فتسارع الشُّبان وثبت الشيوخ مع الرايات فلما فُتح لهم جاء الشبان يطلبون ما جُعل لهم فقال لهم الأشياخ : لا تذهبون به دوننا ، فقد كنا رِدْءاً لكم فأنزل الله تعالى : { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } ذكره إسماعيل ابن إسحاق أيضاً . ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البَجَلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشأم : هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وسَبْي ؟ . وقال بهذا جماعة فقهاء الشأم : الأُوزاعي ومكحول وابن حَيوَة وغيرهم . ورأُوا الخمس من جملة الغنيمة ، والنفل بعد الخمس ثم الغنيمة بين أهل العسكر وبه قال إسحاق وأحمد وأبو عبيد . قال أبو عبيد : والناس اليوم على أن لا نفل من جهة الغنيمة حتى تخمس . وقال مالك : لا يجوز أن يقول الإمام لسَرِيّة ما أخذتم فلكم ثلثه . قال سُحْنُون : يريد ابتداء . فإن نزل مضى ، ولهم أنصباؤهم في الباقي . وقال سحنون : إذا قال الإمام لسَرِيّة ما أخذتم فلا خمس عليكم فيه فهذا لا يجوز ، فإن نزل رددته ، لأن هذا حكم شاذّ لا يجوز ولا يمضي . السادسة واستحب مالك رحمه الله ألاّ ينفّل الإمام إلا ما يظهر كالعمامة والفرس والسيف . ومنع بعض العلماء أن ينفل الإمام ذهباً أو فضة أو لؤلؤاً ونحوه . وقال بعضهم : النفل جائز من كل شيء . وهو الصحيح لقول عمر ومقتضى الآية ، والله أعلم . السابعة قوله تعالىٰ : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أمر بالتقوىٰ والإصلاح ، أي كونوا مجتمعين على أمر الله في الدعاء : اللَّهُمَّ أصلح ذات البَيْن ، أي الحال التي يقع بها الاجتماع . فدل هذا على التصريح بأنه شَجَر بينهم اختلاف . أو مالت النفوس إلى التّشاحّ كما هو منصوص في الحديث . وتقدّم معنىٰ التقوىٰ ، أي ٱتقوا الله في أقوالكم ، وأفعالكم ، وأصلحوا ذات بينكم . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الغنائم ونحوها . { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي إن سبيل المؤمن أن يمتثل ما ذكرنا . وقيل : « إنْ » بمعنىٰ « إذْ » .