Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالىٰ : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } . فيه ثلاث مسائل : الأولى قال العلماء : هذه الآية تحريض على إلزام طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من قسمة تلك الغنيمة . والوجل : الخوف . وفي مستقبله أربع لغات : وَجِل يَوْجل ويَاجَل ويَيْجَل ويِيْجل ، حكاه سيبويه . والمصدر وَجِل وَجَلا ومَوْجلاً بالفتح . وهذا مَوْجِله بالكسر للموضع والاسم . فمن قال : يا جَل في المستقبل جعل الواو ألفاً لفتحة ما قبلها . ولغة القرآن الواو { قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ } [ الحجر : 53 ] . ومن قال : « يِيجل » بكسر الياء فهي على لغة بني أسد ، فإنهم يقولون : أنا إيجل ، ونحن نِيجل ، وأنت تِيجل كلها بالكسر . ومن قال : « يَيْجل » بناه على هذه اللغة ، ولكنه فتح الياء كما فتحوها في يعلم ، ولم تكسر الياء في يعلم لاستثقالهم الكسر على الياء . وكسرت في « ييجل » لتقوِّي إحدىٰ الياءين بالأُخرىٰ . والأمر منه « إيجَلْ » صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها . وتقول : إنِّي منه لأَوْجَل . ولا يقال في المؤنث : وَجْلاء : ولكن وَجِلة . وروى سفيان عن السدّي في قوله جل وعز : { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قال : إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له : ٱتق الله ، كَفّ ووَجِل قلبه . الثانية وصف الله تعالىٰ المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوَجَل عند ذكره . وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم ، وكأنهم بين يديه . ونظير هذه الآية { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الحج : 35 ] . وقال : { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } . فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب . والوَجَل : الفزع من عذاب الله فلا تناقض . وقد جمع الله بين المعنيين في قوله : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 23 ] . أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله . فهذه حالة العارفين بالله ، الخائفين من سطوته وعقوبته لا كما يفعله جهال العوامّ والمبتدعة الطَّغَام من الزّعيق والزّئير ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير . فيقال لمن تعاطىٰ ذلك وزعم أن ذلك وَجْدٌ وخشوع : لم تبلغ أن تساوي حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفاً من الله . ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ المائدة : 83 ] . فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم . ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم فمن كان مُسْتَنَّاً فليستَنّ ، ومن تعاطىٰ أحوال المجانين والجُنُون فهو من أخسّهم حالاً والجنون فنون . روى مسلم عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أَحْفَوْه في المسألة ، فخرج ذات يوم فصعد المنبْر فقال : " سَلُوني لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ما دمتُ في مقامي هذا " فلما سمع ذلك القومُ أرَمُّوا ورهِبوا أن يكون بين يَدَيْ أمرٍ قد حضر . قال أنس : فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي . وذكر الحديث . وروى الترمذي وصححه عن العِرْباض بن سارِيَة قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذَرَفت منها العيون ، وَوجِلت منها القلوب . الحديث . ولم يقل : زَعَقْنا ولا رَقَصْنا ولا زَفَنّا ولا قُمنا . الثالثة قوله تعالىٰ : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } أي تصديقاً . فإن إيمان هذه الساعة زيادةٌ على إيمان أمس فمن صدّق ثانياً وثالثاً فهو زيادة تصديق بالنسبة إلى ما تقدّم . وقيل : هو زيادة ٱنشراح الصدر بكثرة الآيات والأدلة وقد مضىٰ هذا المعنىٰ في « آل عمران » . { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } تقدّم معنىٰ التوكل في « آل عمران » أيضاً . { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } تقدّم في أوّل سورة « البقرة » . { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي الذي ٱستوىٰ في الإيمان ظاهرُهم وباطنهم . ودلّ هذا على أن لكل حق حقيقة " وقد قال عليه السلام لحارثة : « إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك » " ؟ الحديث . وسأل رجل الحسن فقال : يا أبا سعيد أمؤمن أنت ؟ فقال له : الإيمان إيمانان ، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا به مؤمن . وإن كنت تسألني عن قول الله تبارك وتعالىٰ : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } إلى قوله { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } فوالله ما أدري أنا منهم أم لا . وقال أبو بكر الواسِطِيّ : من قال أنا مؤمن بالله حقاً قيل له : الحقيقة تشير إلى إشراف وٱطلاع وإحاطة فمن فقده بطل دعواه فيها . يريد بذلك ما قاله أهل السنة : إنّ المؤمن الحقيقي من كان محكوماً له بالجنة ، فمن لم يعلم ذلك من سرّ حكمته تعالىٰ فدعواه بأنه مؤمن حقاً غير صحيح .