Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 11-16)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } « كلاَّ » كلمة ردع وزجر أي ما الأمرُ كما تفعل مع الفريقين أي لا تفعل بعدها مثلها : من إقبالك على الغنِيّ ، وإعراضك عن المؤمن الفقير . والذي جرى من النبيّ صلى الله عليه وسلم كان تركَ الأولَى كما تقدّم ، ولو حُمِل على صغيرة لم يبعد قاله القُشيري . والوقف على « كَلاّ » على هذا الوجه : جائز . ويجوز أن تقف على « تَلَهَّى » ثم تبتدىء « كَلاّ » على معنى حَقّاً . { إِنَّهَا } أي السورة أو آيات القرآن { تَذْكِرَةٌ } أي موعظة وتبصرة للخلق { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي ٱتعظ بالقرآن . قال الجُرجاني : « إِنها » أي القرآن ، والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة ، أخرجه على لفظ التذكرة ، ولو ذَكّره لجاز كما قال تعالى في موضع آخر : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } ويدل على أنه أراد القرآن قوله : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي كان حافظاً له غير ناس وذكَّر الضمير ، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ . وروي الضحاك عن ٱبن عباس في قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } قال من شاء اللَّهُ تبارك وتعالى ألهمه . ثم أخبر عن جلالته فقال : { فَي صُحُفٍ } جمع صحيفة { مُّكَرَّمَةٍ } أي عند الله قاله السُّدِّي . الطبريّ : « مُكَرَّمةٍ » في الدين لما فيها من العلم والحِكَم . وقيل : « مُكَرمةٍ » لأنها نزل بها كرام الحفظة ، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ . وقيل : « مكرمة » لأنها نزلت من كريم لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه . وقيل : المراد كُتُب الأنبياء دليله : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [ الأعلى : 18 - 19 ] . { مَّرْفُوعَةٍ } رفيعة القدر عند الله . وقيل : مرفوعة عنده تبارك وتعالى . وقيل : مرفوعة في السماء السابعة ، قاله يحيى بن سلام . الطبريّ : مرفوعة الذكر والقدر . وقيل : مرفوعة عن الشُّبَه والتناقض . { مُّطَهَّرَةٍ } قال الحسن : من كل دنس . وقيل : مصانة عن أن ينالها الكفار . وهو معنى قول السُّدّيّ . وعن الحسن أيضاً : مطهّرة من أن تنزل على المشركين . وقيل : أَي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرؤونها فهي مكرمة مرفوعة مطهرة . { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله ، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية . ورَوى أبو صالح عن ٱبن عباس قال : هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } قال : كَتَبةٍ . وقاله مجاهد أيضاً . وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار ، التي هي الكتب ، واحدهم : سافر كقولك : كاتب وكَتَبة . ويقال : سَفَرْتُ أي كتبتُ ، والكتاب : هو السفر ، وجمعه أسفار . قال الزجاج : وإنما قيل للكتاب سِفْر ، بكسر السين ، وللكاتب سافر لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . يقال : أسفر الصبح : إذا أضاء ، وسَفَرتِ المرأة : إذا كشفت النقاب عن وجهها . قال : ومنه سَفَرْت بين القومِ أَسْفِر سفارة : أصلحت بينهم . وقاله الفراء ، وأنشد : @ فما أدَعُ السِّفارةَ بينَ قومِي ولا أَمشِي بغِشٍّ إن مَشَيْتُ @@ والسفير : الرسول والمصلح بين القوم ، والجمع : سفراء ، مثل فقيه وفقهاء . ويقال للورّاقين سُفَراءُ ، بلغة العِبرانية . وقال قتادة : السَّفَرة هنا : هم القُرّاء ، لأنهم يقرؤون الأسفار . وعنه أيضاً كقول ٱبن عباس . وقال وهب بن مُنَبّه : « بِأيدِي سَفَرةٍ . كِرامٍ بَررَةٍ » هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال ٱبن العربيّ : لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سَفَرةً ، كِراماً بَرَرَة ، ولكن ليسوا بمرادفين بهذه الآية ، ولا قاربوا المرادِين بها ، بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق ، ولا يشاركُهم فيها سواهم ، ولا يدخل معهم في مُتناولها غيرهم . ورُوي في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَثَل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له ، مع السَّفَرة الكرام البررة ومثَل الذي يقرؤه وهو يتعاهده ، وهو عليه شديد ، فله أجران " متفق عليه ، واللفظ للبخاريّ . { كِرَامٍ } أي كرام على ربهم قاله الكلبيّ . الحسن : كرام عن المعاصي ، فهم يرفعون أنفسهم عنها . وروى الضحاك عن ٱبن عباس في « كِرامٍ » قال : يتكرمون أن يكونوا مع ٱبن آدم إذا خلا بزوجته ، أو تبرز لغائطه . وقيل : أي يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم . { بَرَرَةٍ } جمع بارّ مثل كافر وكفرة ، وساحر وسحرة ، وفاجر وفجرة يقال : بر وبارّ إذا كان أهلاً للصدق ، ومنه بَرَّ فلان في يمينه : أي صدق ، وفلان يَبَرّ خالقه ويتبرره : أي يطيعه فمعنى « بررةٍ » مطيعون لله ، صادقون لله في أعمالِهم . وقد مضى في سورة « الواقعة » قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 77 - 79 ] أنهم الكرام البَرَرَة في هذه السورة .