Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 17-23)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } ؟ « قتِل » أي لعِن . وقيل : عُذِّب . والإنسان الكافر . روى الأعمش عن مجاهد قال : ما كان في القرآن « قُتِل الإنسان » فإنما عُني به الكافر . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : نزلت في عُتْبة بن أبي لَهَب ، وكان قد آمن ، فلما نزلت « والنجم » ٱرتدّ ، وقال : آمنت بالقرآن كلّه إلا النجم ، فأنزل الله جل ثناؤه فيه « قتِل الإنسان » أي لُعن عُتبة حيث كفر بالقرآن ، ودعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللَّهُمْ سلِّطْ عليه كلبك أسد الغاضِرة " فخرج من فوره بتجارة إلى الشام ، فلما ٱنتهى إلى الغاضرة تذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل لمن معه ألف دينار إن هو أصبح حيا ، فجعلوه في وسط الرُّفقة ، وجعلوا المتاع حوله ، فبينما هم على ذلك أقبل الأسد ، فلما دنا من الرحال وثب ، فإذا هو فوقه فمزقه ، وقد كان أبوه ندبه وبكى وقال : ما قال محمد شيئاً قَطُّ إلا كان . وروى أبو صالح عن ٱبن عباس « ما أكفره » : أيُّ شيء أكفره ؟ وقيل : « ما » تعجب وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا : قاتله الله ما أحسنه ! وأخزاه الله ما أظلمه والمعنى : أعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا . وقيل : ما أكفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه على التعجب أيضاً قال ابن جريح أي ما أشدّ كفره ! وقيل : « ما » استفهام أي أي شيء دعاه إلى الكفر فهو ٱستفهام توبيخ . و « ما » تحتمل التعجب ، وتحتمل معنى أيّ ، فتكون ٱستفهاماً . { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } أي من أيّ شيء خلق الله هذا الكافر فيتكبر ؟ أي ٱعجبوا لخلقه . { مِن نُّطْفَةٍ } أي من ماء يسيرٍ مَهِين جَماد { خَلَقَهُ } فلَم يغلط في نفسه ؟ ! قال الحسن : كيف يتكبر من خرج من سبيل البول مرتين . { فَقَدَّرَهُ } في بطن أمه . كذا روى الضحاك عن ابن عباس : أي قدّر يديه ورجليه وعينيه وسائر آرابه ، وحسناً ودميماً ، وقصيراً وطويلاً ، وشقياً وسعيداً . وقيل : « فقدّره » أي فسواه كما قال : { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } [ الكهف : 37 ] . وقال : { ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ } [ الانفطار : 7 ] . وقيل : « فقدَّره » أطواراً أي من حال إلى حال نطفة ثم علقة ، إلى أن تم خَلْقه . { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } قال ابن عباس في رواية عطاء وقتادة والسدي ومقاتل : يَّسره للخروج من بطن أمه . مجاهد : يسَّره لطريق الخير والشر أي بيَّن له ذلك . دليله : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } [ الإنسان : 3 ] و { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] . وقاله الحسن وعطاء وابن عباس أيضاً في رواية أبي صالح عنه . وعن مجاهد أيضاً قال : سبيل الشقاء والسعادة . ٱبن زيد : سبيل الإسلام . وقال أبو بكر بن طاهر : يَسَّر على كل أحد ما خلقه له ، وقدَّره عليه دليله قوله عليه السلام : " ٱعملوا فكلٌّ مُيَسَّر لما خُلقِ له " { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } أي جعل له قبراً يوارَى فيه إكراماً ، ولم يجعله مما يلُقَى على وجه الأرض تأكله الطير والعوافي قاله الفرّاء . وقال أبو عبيدة : « أقبره » : جعل له قبراً ، وأمر أن يُقْبر . قال أبو عبيدة : ولما قَتَل عمرُ بن هُبيرة صالحَ بن عبد الرحمن ، قالت بنو تميم ودخلوا عليه : أَقبِرنا صالحاً فقال : دونكموه . وقال : « أَقبره » ولم يقل قَبَره لأن القابر هو الدافن بيده ، قال الأعشى : @ لو أَسْندتْ مَيْتا إلى نحرِها عاشَ ولم يُنقَلْ إلى قابِرِ @@ يقال : قبرت الميت : إذا دفنته ، وأقبره الله : أي صيره بحيث يُقْبر ، وجعل له قبراً تقول العرب : بترت ذَنَب البعير ، وأبتره الله ، وعضبت قَرْن الثور ، وأعضبه الله ، وطردت فلاناً ، والله أطرده ، أي صيره طريداً . { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } أي أحياه بعد موته . وقراءة العامة « أَنشرهُ » بالألف . وروي أبو حَيْوة عن نافع وشعيب بن أبي حمزة « شاء نشره » بغير ألف ، لغتان فصحيتان بمعنى يقال : أنشر الله الميت ونَشَره قال الأعشى : @ حتى يقولَ الناس مما رأَوا يا عَجَبَا لِلميتِ الناشِرِ @@ قوله تعالى : { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } قال مجاهد وقتادة : « لَمّا يَقْضِ » : لا يقضي أحد ما أَمرِ به . وكان ٱبن عباس يقول : « لما يقضِ ما أمره » لم يف بالميثاق الذي أُخِذَ عليه في صلب آدم . ثم قيل : « كَلاَّ » ردع وزجر ، أي ليس الأمر : كمَا يقول الكافر فإن الكافر إذا أُخبر بالنُّشور قال : { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] ربما يقول قد قضيت ما أَمِرْت به . فقال : كلاّ لمْ يقض شيئاً بل هو كافر بي وبرسولي . وقال الحسن : أي حَقّاً لم يقض : أي لم يَعمل بما أُمر به . و « ما » في قوله : « لَمّا » عماد للكلام كقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 159 ] وقوله : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] وقال الإمام ٱبن فُورَك : أي : كَلاّ لَمّا يقض الله لهذا الكافر ما أَمره به من الإيمان ، بل أمره بما لم يقض له . ٱبن الأنباريّ : الوَقف على « كَلاّ » قبيح ، والوقف على « أَمره » و « نشره » جيد فـ « ـكلاَّ » على هذا بمعنى حَقًّا .