Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 33-42)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد ، ليتزودوا له بالأعمال الصالحة ، وبالإنفاق مما ٱمتَنَّ به عليهم . والصاخّة : الصيحة التي تكون عنها القيامة ، وهي النفخة الثانية ، تَصُخ الأسماع : أي تُصِمُّها فلا تسمع إلا ما يُدْعَى به للأحياء . وذكر ناس من المفسرين قالوا : تِصيخ لها الأسماع ، من قولك : أصاخ إلى كذا : أي ٱستمع إليه ، ومنه الحديث : " ما من دابة إلاّ وهي مُصِيخة يومَ الجمعة شَفَقاً من الساعة إلاّ الجنَّ والإِنس " وقال الشاعر : @ يُصِيخُ لِلَّنبْأَةِ أَسْماعَهُ إِصاخةَ المُنْشِدِ لِلمنْشِدِ @@ قال بعض العلماء : وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء ، فأما اللغة فمقتضاها القول الأوّل ، قال الخليل : الصاخَّة : صيحة تَصُخّ الآذان صَخًّا أي تُصِمُّها بشدة وقعتها . وأصل الكلمة في اللغة : الصَّكُّ الشديد . وقيل : هي مأخوذة من صَخَّه بالحجر : إذا صَكَّه ، قال الراجز : @ يا جارتِي هل لكِ أن تجالِدِي جلادة كالصَّك بالجَلامِدِ @@ ومن هذا الباب قول العرب : صَخَّتْهمُ الصّاخة وباتتهم البائتة ، وهي الداهية . الطبريّ : وأحسبه من صَخّ فلان فلاناً : إذا أصماه . قال ٱبن العربيّ : الصاخّة التي تُورِث الصَّمَم ، وإنها لمُسِمعة ، وهذا من بديع الفصاحة ، حتى لقد قال بعض حَديثي الأسنان حديثي الأزمان : @ أَصَمَّ بِكَ الناعِي وإِنْ كان أَسْمَعا @@ وقال آخر : @ أَصَمَّنِي سِرُّهم أيامَ فُرقتهم فهل سمِعتم بسِر يُورِث الصَّمَما @@ لعمر اللَّهِ إنّ صيحة القيامة لمسمِعة تُصِم عن الدنيا ، وتُسمِعُ أمور الآخرة . قوله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } أي يهرب ، أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه أي من موالاة أخيه ومكالمته لأنه لا يتفرغ لذلك ، لاشتغاله بنفسه كما قال بعده : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } أي يشغله عن غيره . وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه ، لما بينهم من التَّبِعات . وقيل : لئلا يرَوَا ما هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئاً كما قال : " يوم لا يغنِي مولًى عن مولًى شيئاً " وقال عبد الله بن ظاهر الأبهري : يفرّ منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم ، إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ، ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما ٱعتمد شيئاً سوى ربه تعالى . { وَصَاحِبَتِهُ } أي زوجته . { وَبَنِيهِ } أي أولاده . وذكر الضحاك عن ٱبن عباس قال : يفرّ قابيلُ من أخيه هابيلَ ، ويفر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أمه ، وإبراهيم عليه السلام من أبيه ، ونوح عليه السلام من ٱبنه ، ولوط من ٱمرأته ، وآدم من سَوْأة بنيه . وقال الحسن : أوّل من يفرّ يوم القيامة من أبيه : إبراهيم ، وأوّل من يفرّ من ٱبنه نوح ، وأوّل من يفرّ من ٱمرأته لوط . قال : فيَرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ . { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } . في صحيح مسلم " عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « يُحْشَر الناس يوم القيامة حفُاة عُراة غُرْلاً » قلت ، يا رسول الله ! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : « يا عائشة ، الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض » " خرّجه التِّرمذي عن ٱبن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " « يُحشرون حفاة عُراة غُرْلاً » فقالت ٱمرأة : أينظر بعضنا ، أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال : « يا فلانة » { لكل ٱمرِيء مِنهم يومِئذٍ شأن يغنِيهِ } " قال : حديث حسن صحيح . وقراءة العامة بالغين المعجمة أي حالٌ يشغَله عن الأقرباء . وقرأ ٱبن مُحيصن وحُميد « يَعْنِيهِ » بفتح الياء ، وعين غير معجمة أي يعنيه أمره . وقال القُتَبي : يعنيه : يصرفه ويُصدّه عن قرابته ومنه يقال : ٱعْنِ عني وجهك : أي ٱصرفْه وٱعنِ عن السفيه قال خُفاف : @ سَيَعْنِيك حرب بني مالِكٍ عن الفُحْشِ والجهلِ في الْمَحفِل @@ قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } : أي مُشرقة مضيئة ، قد علمت مالها من الفوز والنعيم ، وهي وجوه المؤمنين . { ضَاحِكَةٌ } أي مسرورة فَرِحة . { مُّسْتَبْشِرَةٌ } : أي بما آتاها الله من الكرامة . وقال عطاء الخُراساني : « مُسْفِرة » من طول ما ٱغْبرت في سبيل الله جل ثناؤه . ذكره أبو نَعِيم . الضحاك : من آثار الوضوء . ٱبن عباس : من قيام الليل لما رُوي في الحديث : " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " يقال : أسفر الصبح إذا أضاء . { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } أي غبار ودخان { تَرْهَقُهَا } أي تغشاها { قَتَرَةٌ } أي كسوف وسواد . كذا قال ٱبن عباس . وعنه أيضاً : ذِلة وشِدّة . والقَتَر في كلام العرب : الغبار ، جمع القَتَرة ، عن أبي عُبيد وأنشد الفرزدق : @ مُتَوَّجٌ بِرِداء الملكِ يَتْبعه مَوجٌ ترى فوقه الراياتِ والقَتَرا @@ وفي الخبر : إن البهائم إذا صارت تراباً يوم القيامة حُوِّل ذلك التراب في وجوه الكفار . وقال زيد بن أسلم : القَترة : ما ٱرتفعت إلى السماء ، والغَبَرة : ما ٱنحطت إلى الأرض ، والغبار والغَبَرة : واحد . { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ } جمع كافر { ٱلْفَجَرَةُ } جمع فاجر ، وهو الكاذب المفترى على الله تعالى . وقيل : الفاسق يقال : فجر فجوراً : أي فسق ، وفجر : أي كذب . وأصله : الميل ، والفاجر : المائل . وقد مضى بيانه والكلام فيه . والحمد لله وحده .