Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 24-32)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } لما ذكر جل ثناؤه ٱبتداء خلق الإنسان ، ذكر ما يُسَّر من رزقه أي فلينظر كيف خَلَق الله طعامه . وهذا النظر نظر القلب بالفكر أي ليتدبرْ كيف خَلَق الله طعامَه الذي هو قِوام حياته ، وكيف هيأ له أسباب المعاش ، ليستعد بها للمعاد . ورُوِي عن الحسن ومجاهد قالا : { فَلينْظرِ الإنسان إِلى طعامِهِ } أي إلى مُدْخله ومُخْرجه . وروى ٱبن أبي خيْثمة " عن الضحاك بن سفيان الكلابيّ قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : « يا ضحاكُ ما طعامك » قلت : يا رسول الله ! اللَّحم واللبن قال : « ثم يصير إلى ماذا » قلت إلى ما قد علمته قال : « فإنّ الله ضرب ما يخرج من ٱبن آدم مثلاً للدنيا » " وقال أبيّ بن كعب : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن مَطْعَمَ ٱبن آدم جُعِل مثلاً للدنيا وإن قَزَحَه ومَلَّحه فٱنظر إلى ما يصير " وقال أبو الوليد : سألت ٱبن عَمر عن الرجل يدخل الخَلاء فينظر ما يخرج منه قال : يأتيه الملك فيقول ٱنظر ما بَخِلت به إلى ما صار ؟ قوله تعالى : { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } قراءة العامة « إِنا » بالكسر ، على الاستئناف . وقرأ الكوفيون ورُوَيْس عن يعقوب « أَنا » بفتح الهمزة ، فـ « ـأنا » في موضع خفض على الترجمة عن الطعام ، فهو بدل منه كأنه قال : « فلينظرِ الإِنسان إِلى طعامِهِ » إلى « أنا صببنا » ، فلا يحسُن الوقف على « طعامِهِ » من هذه القراءة . وكذلك إن رفعت « أَنا » بإضمار هو أنا صببنا لأنها في حال رفعها مترجِمة عن الطعام . وقيل : المعنى : لأنا صببنا الماء ، فأخرجنا به الطعام ، أي كذلك كان . وقرأ الحسين بن عليّ « أَنَّى » ممال ، بمعنى كيف ؟ فمن أخذ بهذه القراءة قال : الوقف على « طعامه » تام . ويقال : معنى « أنَّى » أين ، إلا أنّ فيها كناية عن الوجوه وتأويلها : من أي وجه صَببنا الماء قال الكميت : @ أَنَّى ومِنْ أينَ آبكَ الطَّرَبُ مِن حيثُ لا صَبْوةٌ ولا رِيبُ @@ « صببنا الماء صباً » : يعني الغيث والأمطار . { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } : أي بالنبات { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } أي قمحاً وشعيراً وسُلْتاً وسائر ما يُحْصَد ويدّخر { وَعِنَباً وَقَضْباً } وهو القَتّ والَعلَف عن الحسن : سمي بذلك لأنه يُقْضَب أي يقطع بعد ظهوره مرة بعد مرة . قال القُتَبيّ وثعلب : وأهل مكة يسمون القَتَّ القَضْب . وقال ٱبن عباس : هو الرّطب لأنه يُقَضب من النخل : ولأنه ذكر العِنب قبله . وعنه أيضاً : أنه الفِصفِصة وهو القَتّ الرطب . وقال الخليل : القضب الفِصْفِصة الرطبة . وقيل : بالسين ، فإذا يبست فهو قَتٌّ . قال : والقضْب : ٱسم يقع على ما يُقْضب من أغصان الشجرة ، ليتخذ منها سِهام أو قِسِيّ . ويقال : قَضْباً ، يعني جميع ما يقضب ، مثل القَتِّ والكُرَّاث وسائر البقول التي تقطع فينبت أصْلها . وفي الصحاح : والقَضْبة والقَضْب الرَّطْبة ، وهي الإسفِسْت بالفارسية ، والموضع الذي يَنْبُت فيه مَقْضَبة . { وَزَيْتُوناً } وهي شجرة الزيتون { وَنَخْلاً } يعني النخيل { وَحَدَآئِقَ } أي بساتين واحدها حديقة . قال الكلبي : وكل شيء أَحيط عليه من نخيل أو شجر فهو حديقة ، وما لم يُحَط عليه فليس بحديقة . { غُلْباً } عظاماً شجرها يقال : شجرة غَلْباء ، ويقال للأسد : الأغلب لأنه مُصْمَت العنق ، لا يلتفت إلا جميعاً قال العجاج : @ ما زِلتُ يوم البَيْن أَلوِي صَلَبِي والرأَسَ حتى صِرتُ مِثلْ الأَغلبِ @@ ورجل أغلب بيّن الغَلَب إذا كان غليظ الرقبة . والأصل في الوصف بالغلَب : الرقاب فٱستعير قال قال عمرو بن مَعْدِي كرِب : @ يَمشِي بها غُلْب الرقابِ كأَنهم بُزْل كُسِين مِن الكُحَيْلِ جِلالا @@ وحديقة غلباء : ملتفة وحدئق غُلْب . وٱغلَولَب العشب : بلغ وٱلتف البعض بالبعض . قل ٱبن عباس : الغُلْب : جمع أغلب وغلباء وهي الغِلاظ . وعنه أيضاً الطِّوال . قتادة وٱبن زيد : الغُلْب : النخل الكرام . وعن ٱبن زيد أيضاً وعِكرمة : عظام الأوساط والجذوع . مجاهد : ملتفة . { وَفَاكِهَةً } أي ما تأكله الناس من ثمار الأشجار كالتين والخَوْخ وغيرهما { وَأَبّاً } هو ما تأكله البهائم من العُشب قال ٱبن عباس والحسن : الأَبُّ : كل ما أنبتت الأرض ، مما لا يأكله الناس ، ما يأكله الآدميون هو الحَصيد ومنه قول الشاعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم : @ لَه دَعْوة ميْمونة ريُحها الصَّبا بها يُنبِتُ الله الحصِيدة والأَبَّا @@ وقيل : إنما سمي أَبًّا لأنه يُؤَبُّ أي يُؤَمّ ويُنْتجَع . والأَب والأم : أَخَوان قال : @ جِذمنا قيسٌ ونجدٌ دارنا ولنا الأَبُّ بِهِ والمَكْرَع @@ وقال الضحاك : والأب : كل شيء ينبت على وجه الأرض . وكذا قال أبو رَزِين : هو النبات . يدلّ عليه قول ٱبن عباس قال : الأبُّ : ما تنبت الأرض مما يأكل الناس والأنعام . وعن ٱبن عباس أيضاً وٱبن أبي طلحة : الأبّ : الثمار الرَّطْبة . وقال الضحاك : هو التين خاصة . وهو محكي عن ٱبن عباس أيضاً قال الشاعر : @ فما لَهُمُ مَرْتَعٌ لِلسَّوا مِ والأَبُّ عندَهم يُقْدَرُ @@ الكلبيّ : هو كل نبات سوى الفاكهة . وقيل : الفاكهة : رَطْب الثمار ، والأب يابسها . وقال إبراهيم التيميّ : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن تفسير الفاكهة والأب فقال : أيُّ سماء تُظِلني ، وأيُّ أرض تُقِلُّني إذا قلت : في كتاب الله ما لا أعلم . وقال أنس : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال : كل هذا قد عرفناه ، فما الأبّ ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعَمْر اللَّهِ التكلُّف ، وما عليك يا بن أم عُمَر ألاَّ تدري ما الأب ؟ ثم قال : ٱتبعوا ما بُيِّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه . ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خُلِقتم من سبْع ، ورزِقتم من سبع ، فاسجدوا لله على سبْع " وإنما أراد بقوله : " خلقتم من سبع " يعني { مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } [ الحج : 5 ] الآية ، والرزق من سْبع ، وهو قوله تعالى : { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } إلى قوله : { وَفَاكِهَةً } ، ثم قال : { وَأَبّاً } وهو يدل على أنه ليس برزق لابن آدم ، وأنه مما تختص به البهائم . والله أعلم . { مَّتَاعاً لَّكُمْ } نصب على المصدر المؤكِّد ، لأن إنبات هذه الأشياء إمتاع لجميع الحيوانات . وهذا ضرب مثلٍ ضربه الله تعالى لبعث الموتَى من قبورهم كنبات الزرع بعد دُثُوره ، كما تقدم بيانه في غير موضع . ويتضمن ٱمتناناً عليهم بما أنعم به ، وقد مضى في غير موضع أيضاً .