Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-14)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال ٱبن عباس : تكويرها : إدخالها في العرش . والحسن : ذهاب ضوئها . وقاله قتادة ومجاهد : وروي عن ٱبن عباس أيضاً . سعيد بن جُبير : عُوِّرَتْ . أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة ، تلف فتمحي . وقال الربيع بن خيثم : « كورت » رمُيِ بها ومنه : كوّرته فتكوّر ، أي سقط . قلت : وأصل التكوير : الجمع ، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تُكَوَّر ويمحي ضوءها ، ثم يُرمْى بها في البحر . والله أعلم . وعن أبي صالح : كوّرت : نكِّستْ . { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } أي تهافتت وتناثرت . وقال أبو عبيدة : ٱنصبَّت كما تنصَبّ العُقاب إذا ٱنكسرت . قال العجّاج يصف صقراً : @ أَبصرَ خِربان فضاء فانكدر تقضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَر @@ وروَى أبو صالح عن ٱبن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض ، حتى يفزَع أهل الأرض السابعة مما لَقِيت وأصاب العليا " ، يعني الأرض . وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال : تساقطت وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور ، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور ، فإذا جاءت النفخة الأولى مات من في الأرض ومن في السموات ، فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من أيدي الملائكة لأنه مات من كان يمسكها . ويحتمل أن يكون ٱنكدارها طَمْس آثارها . وسميت النجوم نجوماً لظهورها في السماء بضوئها . وعن ٱبن عباس أيضاً : ٱنكدرت تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها . والمعنى متقارب . { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } يعني قُلِعت من الأرض ، وسيرت في الهواء وهو مثل قوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] . وقيل سيرُها تحوّلها عن منزلة الحجارة ، فتكون كثيباً مَهِيلا ، أي رملاً سائلاً ، وتكون كالعِهن ، وتكون هباء منثوراً ، وتكون سَراباً ، مثل السراب الذي ليس بشيء . وعادت الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أَمتا . وقد تقدم في غير موضع والحمد لله . { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها الواحدة عُشَراء ، أو التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ، ثم لا يزال ذلك ٱسمها حتى تضع ، وبعد ما تضع أيضاً . ومن عادة العرب أن يسمُّوا الشيء باسمه المتقدّم وإن كان قد جاوز ذلك يقول الرجل لفرسه وقد قَرِح : هاتوا مُهْري ، يسميه بمتقدّم ٱسمه قال عنترة : @ لا تذكرِي مُهْرِي وما أطمعتُه فيكونَ جِلدُكِ مثلَ جِلدِ الأَجرب @@ وقال أيضاً : @ وحَمَلْتُ مُهرِي وسْطَها فمضاها @@ وإنما خص العِشار بالذكر ، لأنها أعز ما تكون على العرب ، وليس يُعَطلها أهلها إلا حال القيامة . وهذا على وجه المثل لأن في القيامة لا تكون ناقة عُشَرَاءَ ، ولكن أراد به المثل أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عُشَراءُ لعطَّلها وٱشتغل بنفسه ، وقيل : إنهم إذا قاموا من قبورهم ، وشاهد بعضهم بعضاً ، ورأوا الوُحوش والدوابّ محشورة ، وفيها عِشارهم التي كانت أنفس أموالهم ، لم يعبئوا بها ، ولم يهمَّهم أمرُها . وخُوطبت العرب بأمر العِشار لأن ما لها وعيشها أكثره من الإبل . وروَي الضحاك عن ٱبن عباس : عُطِّلت : عَطَّلها أهلها ، لاشتغالهم بأنفسهم . وقال الأعشى : @ هو الواهِبُ المائةَ المصطفا ةَ إما مَخاضاً وإما عِشارَا @@ وقال آخر : @ ترى المرءَ مهجوراً إذا قلَّ مالهُ وبيتُ الغِنى يُهْدَى له ويُزارُ وما ينفعُ الزوّارَ مالُ مَزُورِهِم إذا سَرَحَتْ شَوْلٌ له وعِشارُ @@ يقال : ناقة عُشَراء ، وناقتان عُشَراوان ، ونوق عِشارٌ وعُشَراوات ، يبدلون من همزة التأنيث واواً . وقد عَشَّرت الناقة تعشيراً : أي صارت عُشَراء . وقيل : العِشار : السحاب يُعَطَّل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر والعرب تشبه السحاب بالحامل . وقيل : الديار تُعَطَّل فلا تُسكن . وقيل : الأرض التي يُعَشَّر زرْعها تعطل فلا تزرع . والأوّل أشهر ، وعليه من الناس الأكثر . { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } أي جمعتْ والحشر : الجمع . عن الحسن وقتادة وغيرهما . وقال ٱبن عباس : حَشْرها : موتها . رواه عنه عِكرمة . وحَشْر كل شيء : الموت غيرَ الجن والإنس ، فإنهما يُوافيان يوم القيامة . وعن ٱبن عباس أيضاً قال : يُحْشَر كل شيء حتى الذُّباب . قال ٱبن عباس : تحشر الوحوش غداً : أي تجمع حتى يُقتصَّ لبعضها من بعض ، فيقتصَّ للجَمّاء من القَرْناء ، ثم يقال لها كوني تراباً فتموت . وهذا أصح مما رواه عنه عِكرمة ، وقد بيناه في كتاب « التذكرة » مستوفى ، ومضى في سورة « الأنعام » بعضُه . أي إن الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم . وقيل : عُنِي بهذا أنها مع نُفْرتها اليوم من الناس وتنددها في الصحارَى ، تنضم غداً إلى الناس من أهوال ذلك اليوم . قال معناه أبيُّ بن كعب . { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } أي ملئت من الماء والعرب تقول : سَجَرت الحوضَ أَسَجِّره سَجْرا : إذا ملأته ، وهو مسجور ، والمسجور والساجر في اللغة : الملآن . وروى الربيع بن خيثم : سُجِّرت : فاضت ومُلئت . وقاله الكلبيّ ومقاتل والحسن والضحاك . قال ٱبن أبي زَمْنين : سُجِّرت : حقيقته مُلِئت ، فيفِيض بعضها إلى بعض ، فتصير شيئاً واحداً . وهو معنى قول الحسن . وقيل : أرسِل عَذْبها على مالحها ، ومالحها على عذبها ، حتى ٱمتلأت . عن الضحاك ومجاهد : أي فُجرت فصارت بحراً واحداً . القشيريّ : وذلك بأن يرفع الله الحاجز الذي ذكره في قوله تعالى : { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 20 ] ، فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار ، فعمت الأرض كلها ، وصارت البحار بحراً واحداً . وقيل : صارت بحراً واحداً من الحميم لأهل النار . وعن الحسن أيضاً وقتادة وٱبن حيان : تيبس فلا يبقى من مائها قطرة . القُشَيْريّ : وهو من سَجَرْت التنور أَسْجُره سَجْرا : إذا أحميته ، وإذا سُلّط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرطوبة ، وتُسَيَّر الجبال حينئذ ، وتصير البحار والأرض كلها بساطاً واحداً ، بأن يُمْلأَ مكان البحار بتراب الجبال . وقال النحاس : وقد تكون الأقوال متفقة يكون تيبس من الماء بعد أن يفيض ، بعضها إلى بعض ، فتقلَب ناراً . قلت : ثم تُسَيَّر الجبال حينئذ ، كما ذكر القشيري ، والله أعلم . وقال ٱبن زيد وشَمِر وعطية وسفيان ووهب وعلي بن أبي طالب وٱبن عباس في رواية الضحاك عنه : أُوقدت فصارت ناراً . قال ٱبن عباس : يُكَوِّر الله الشمس والقمر والنجوم في البحر ، ثم يبعث الله عليها ريحاً دَبُوراً ، فتنفخُه حتى يصير ناراً . وكذا في بعض الحديث : " يأمر الله جل ثناؤه الشمس والقمر والنجوم فينتثرون في البحر ، ثم يبعث الله جل ثناؤه الدَّبور فيسجِّرها ناراً ، فتلك نار الله الكبرى ، التي يعذب بها الكفار " قال القشيْري : قيل في تفسير قول ٱبن عباس { سُجِّرَتْ } أوقدت ، يحتمل أن تكون جهنم في قُعور من البحار ، فهي الآن غير مسْجورة لِقوام الدنيا ، فإذا ٱنقضت الدنيا سُجِّرت ، فصارت كلها ناراً يدخلها الله أهلها . ويحتمل أن تكون تحت البحر نار ، ثم يوقد الله البحر كله فيصير ناراً . وفي الخبَر : البحر نار في نار وقال معاوية بن سعيد : بحر الروم وسْط الأرض ، أسفله آبار مُطْبقة بنُحاس يُسَجَّر ناراً يوم القيامة . وقيل : تكون الشمس في البحر ، فيكون البحر ناراً بحر الشمس . ثم جميع ما في هذه الآيات يجوز أن يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ويكون من أشراطها ، ويجوز أن يكون يوم القيامة ، وما بعد هذه الآيات فيكون في يوم القيامة . قلت : رُوِي عن عبد الله بن عمرو : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طَبَق جَهَنم . وقال أبيّ بن كعب : ست آيات من قَبْل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم فتحيروا ودُهِشوا ، فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم وتساقطت ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحرّكت واضطربت واحترقت ، فصارت هباء منثوراً ، ففزعت الإنس إلى الجنّ والجنّ إلى الإنس ، واختلطت الدوابُّ والوحوش والهوامُّ والطير ، وماج بعضها في بعض فذلك قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ثم قالت الجنّ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجَّج ، فبينما هم كذلك تصدَّعتِ الأرض صَدْعة واحدة إلى الأرض السابعة السُّفلَى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذا جاءتهم ريح فأماتتهم . وقيل : معنى « سُجِّرت » : هو حُمْرة مائها ، حتى تصير كالدم مأخوذ من قولهم : عين سَجْراء : أي حمراء . وقرأ ابن كثير « سُجِرَت » وأبو عمرو أيضاً ، إخباراً عن حالها مرة واحدة . وقرأ الباقون بالتشديد إخباراً عن حالها في تكرير ذلك منها مرة بعد أخرى . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال النعمان بن بشير : قال النبي صلى الله عليه وسلم " وإِذا النفوس زُوّجت " قال : " يُقْرَن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله " وقال عمر بن الخطاب : يُقْرَن الفاجر مع الفاجر ، ويقرن الصالح مع الصالح . وقال ابن عباس : ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة ، السابقون زوج يعني صنفاً وأصحاب اليمين زوج ، وأصحاب الشمال زوج . وعنه أيضاً قال : زُوّجت نفوس المؤمنين بالحُور العين ، وقُرن الكافر بالشياطين ، وكذلك المنافقون . وعنه أيضاً : قُرِن كل شكل بشكله من أهل الجنة وأهل النار ، فيضم المَبرِّز في الطاعة إلى مثله ، والمتوسط إلى مثله ، وأهل المعصية إلى مثله فالتزويج أن يُقرن الشيء بمثله والمعنى : وإذا النفوس قُرنت إلى أشكالها في الجنة والنار . وقيل : يضم كل رجل إلى من كان يلزمه من مَلِك وسطلان ، كما قال تعالى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } . وقال عبد الرحمن بن زيد : جُعلوا أزواجاً على أشباه أعمالهم ليس بتزويج ، أصحاب اليمين زوج ، وأصحاب الشمال زوج ، والسابقون زوج وقد قال جل ثناؤه : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] أي أشكالهم . وقال عِكرمة : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قرنت الأرواح بالأجساد أي ردت إليها . وقال الحسن : ألحق كل امرىء بشيعته : اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى ، والمجوس بالمجوس ، وكل من كان يعبد شيئاً من دون الله يُلْحَق بعضهم ببعض ، والمنافقون بالمنافقين ، والمؤمنون بالمؤمنين . وقيل : يُقْرَن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان ، على جهة البغض والعداوة ، ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين . وقيل : قُرِنت النفوس بأعمالها ، فصارت لاختصاصها به كالتزويج . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } الموءودة المقتولة وهي الجارية تدفن وهي حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيؤودها أي يثقلها حتى تموت ومنه قوله تعالى : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } أي لا يثقله وقال متمم بن نُويرة : @ ومَوءودة مَقبورة فِي مَفازةٍ بآمتِها مَوْسودة لم تُمَهّد @@ وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين إحداهما كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به . الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق ، وإما خوفاً من السبيْ والاسترقاق . وقد مضى في سورة « النحل » هذا المعنى ، عند قوله تعالى : { أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } [ النحل : 59 ] مستوفًى . وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا ، ويمنعون منه ، حتى ٱفتخر به ٱلفرزدق ، فقال : @ ومِنّا الَّذي منعَ الوائِداتِ فأحيا الوِئيد فلم يُوأَدِ @@ يعني جدّه صعصعة كان يشتريهن من آبائهن ، فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موءودة . وقال ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردّتِ التراب عليها ، وإن ولدت غلاماً حبسته ، ومنه قول الراجز : @ سَمَّيتها إذ وُلِدتْ تموتُ والقبرُ صِهرٌ ضامِنٌ زِمِّيتُ @@ الزِّميت الوقور ، والزميت مثال الفِسيق أوقر من الزّمِيتِ ، وفلان أزمت الناس أي أوقرهم ، وما أشد تَزَمته عن الفراء . وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاتبهم الله على ذلك ، وتوعدهم بقوله : « وإِذا الموءودة سئِلت » قال عمر في قوله تعالى { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } قال : " جاء قيس ابن عاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إنى وأدت ثمانَ بنات كنّ لي في الجاهلية ، قال : « فأعتِق عن كل واحدة منهن رقبة » قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال : « فأهْدِ عن كل واحدة منهنّ بَدَنة إن شئت » " وقوله تعالى : « سُئِلت » سؤال الموءودة سُؤال توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضُرِب : لم ضُرِبت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يُوبِّخ قاتلها لأنها قُتِلت بغير ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضُرِبت ، وكانوا يُضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى « سئلت » قال : طُلِبت كأنه يريد كما يُطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } [ الأحزاب : 15 ] أي مطلوباً . فكأنها طُلِبت منهم ، فقيل أين أولادكم ؟ ! وقرأ الضحاك وأبو الضُّحا عن جابر بن زيد وأبي صالح « وإِذا الموءودة سَألت » فتتعلق الجارية بأبيها ، فتقول : بأيّ ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر قاله ابن عباس وكان يقرأ { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سألت } وكذلك هو في مصحف أُبيّ . وروى عِكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقاً ولدُها بثدييها ، ملطخاً بدمائه ، فيقول يا ربّ ، هذه أمي ، وهذه قتلتني " والقول الأوّل عليه الجمهور ، وهو مثل قوله تعالى لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] ، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموءودة توبيخ لوائدها ، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب ، فبأيّ ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها ، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقريء « قُتِّلت » بالتشديد ، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يُعَذَّبون ، وعلى أن التعذيب لا يُستَحقّ إلا بذنب . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } أي فُتحت بعد أن كانت مطوية ، والمراد صحف الأعمال التي كَتَبَت الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر ، تُطْوَى بالموت ، وتنشر في يوم القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته ، فيعلم ما فيها ، فيقول : { مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] . وروَى مَرْثَد بن وَدَاعة قال : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش ، فتقع صحيفة المؤمن في يده { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } [ الغاشية : 10 ] إلى قوله : { ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] وتقع صحيفة الكافر في يده « فِي سَمُومٍ وحَمِيم إلى قوله : ولا كريم » . ورُوِي " عن أمّ سلمة رضي الله عنها . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يُحْشَر الناس يوم القيامة حُفاة عراة » فقلت : يا رسول الله ! فكيف بالنساء ؟ قال : « شُغِل الناس يا أمَّ سَلَمة » . قلت : وما شَغَلَهم ؟ قال : « نشر الصحف فيها مثاقيل الذرّ ومثاقيل الخردل » " وقد مضى في سورة « سُبْحان » قول أبي الثوّار العدَوِيّ : هما نَشْرَتان وطَيَّة ، أما ما حييت يا بن آدم فصحيفتك المنشورة ، فأملِ فيها ما شئت ، فإذا مِت طوِيت ، حتى إذا بُعثت نشِرت { اقرأ كِتابك كفى بِنفسِك اليوم عليك حسِيباً } [ الإسراء : 14 ] . وقال مقاتل : إذا مات المرء طُوِيت صحيفة عمله ، فإذا كان يوم القيامة نُشِرت . وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق الأمر يا بن آدم . وقرأ نافع وٱبن عامر وعاصم وأبو عمرو « نُشِرَتْ » مخففة ، على نشرت مرة واحدة ، لقيام الحجة . الباقون بالتشديد ، على تكرار النشر ، للمبالغة في تقريع العاصي ، وتبشير المطيع . وقيل : لتكرار ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } : الكشط : قَلْع عن شدّة التزاق فالسماء تُكْشَط كما يكْشَط الجلد عن الكبش وغيره ، والقَشْط : لغة فيه . وفي قراءة عبد الله { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ قُشِطَت } وكَشَطْتُ البعير كشطاً : نزعت جلده ، ولا يقال سَلَخْته لأن العرب لا تقول في البعير إلا كَشَطْته أو جَلَّدته ، وٱنكشط : أي ذهب فالسماء تُنْزَع من مكانها كما ينزع الغِطاء عن الشيء . وقيل : تُطْوَى كما قال تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، فكأن المعنى : قلِعت فطويت . والله أعلم . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } أي أوقدت فأُضْرمت للكفار وزيدَ في إحمائها . يقال : سَعَّرْتُ النار وأسعرتها . وقراءة العامة بالتخفيف من السعير . وقرأ نَافع وٱبن ذَكوانَ ورُوَيْس بالتشديد لأنها أوقدت مرة بعد مرة . قال قتادة : سَعَّرها غضب الله وخطايا بني آدم . وفي الترمذِيّ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوقد على النار ألفَ سنة حتى ٱحمرت ، ثم أوقد عليها ألفَ سنةٍ حتى ٱبيضَّت ، ثم أوقد عليها ألفَ سنة حتى ٱسودَّت ، فهي سوداء مُظلمة " ورُوِي موقوفاً . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } أي دَنَتْ وقُرِّبت من المتقين . قال الحسن : إنهم يُقَرَّبون منها لا أنها تزول عن موضعها . وكان عبد الرحمن بن زيد يقول : زُينت : أزْلِفَتْ ؟ والزلفى في كلام العرب : القُربة قال الله تعالى : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الشعراء : 90 ] وتزلف فلان تقرب . قوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وما بعدها . قال عمر رضي الله عنه لهذا أُجري الحديث . ورُوِيَ عن ٱبن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما قرآها ، فلما بلغا « علِمت نفس ما أحْضَرت » قالا لهذا أجريت القصة فالمعنى على هذا إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء ، علمت نفس ما أحضرت من عملها . وفي الصحيحين عن عديّ بن حاتم قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم بين يديه ، فتستقبله النار ، فمن ٱستطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل " وقال الحسن : « إِذ الشمس كورت » قسم وقع على قوله : « علِمت نفس ما أحضرت » كما يقال : إذا نفَرَ زيد نفر عمرو . والقول الأوّل أصح . وقال ٱبن زيد عن ٱبن عباس في قوله تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } إلى قوله : { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } ٱثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا ، وستة في الآخرة وقد بينا الستة الأولى بقول أبيّ بن كعب .