Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 15-22)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ } أي أقسم ، و « لا » زائدة ، كما تقدّم . { بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } هي الكواكب الخمسة الدَّراريّ : زُحَل والمُشترِي وعُطارِد والمِرّيخُ والزُّهَرة ، فيما ذكر أهل التفسير . والله أعلم . وهو مَرويّ عن عليّ كرم الله وجهه . وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان : أحدهما لأنها تَستقبل الشمس قاله بكر بن عبد الله المُزَني . الثاني لأنها تقطع المجرّة قاله ٱبن عباس . وقال الحسن وقتادة : هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت ، وقاله عليّ رضي الله عنه ، قال : هي النجوم تخنِس بالنهار ، وتظهر بالليل وتكنِس في وقت غروبها أي تتأخر عن البَصر لخفائها ، فلا تُرَى . وفي الصحاح : و « الخُنَّس » : الكواكب كلها . لأنها تخنِس في المغيب ، أو لأنها تخنِس نهاراً . ويقال : هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة . وقال الفراء في قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } : إنها النجوم الخمسة زُحل والمشترِي والمِرّيخ والزُّهَرة وعطارد لأنها تَخنِس في مجراها ، وتَكْنِس ، أي تستتر كما تكنِس الظباء في المغار ، وهو الكناس . ويقال : سميت خُنَّسا لتأخرها ، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم ، يقال : خَنَس عنه يَخْنُس بالضم خنوساً : تأخر ، وأخنسه غيره : إذا خلَّفه ومضى عنه . والخَنَس تأخر الأنف عن الوجه مع ٱرتفاع قليل في الأرنبة ، والرجل أخنس ، والمرأة خنساء ، والبقر كلها خُنْس . وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } هي بقر الوحش . روي هُشَيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شُرَحبيل قال قال لي عبد الله ابن مسعود : إنكم قوم عرب فما الخنس ؟ قلت : هي بقر الوحش قال : وأنا أرى ذلك . وقاله إبراهيم وجابر بن عبد الله . وروي عن ٱبن عباس : إنما أقسم الله ببقر الوحش . وروي عنه عِكرمة قال : « الخُنَّس » : البقر و « الكنَّس » : هي الظباء ، فهي خُنَّس إذا رأين الإنسان خَنَسْنَ وٱنقبضن وتأخرن ودخلن كِناسهنّ . القشيريّ : وقيل على هذا « الخُنَّس » من الخَنَس في الأنف ، وهو تأخُر الأرنبة وقصر القَصَبة ، وأنوف البقر والظباء خنس . والأصح الحمل على النجوم ، لذكر الليل والصبح بعد هذا ، فذكر النجوم أليق بذلك . قلت : لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد ، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك . وقد جاء عن ٱبن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش . وعن ٱبن عباس وسعيد بن جُبير أنها الظباء . وعن الحجاج بن منذر قال : سألت جابر بن زيد عن الجواري الكُنَّس ، فقال : الظباء والبقر ، فلا يبعد أن يكون المراد النجوم . وقد قيل : إنها الملائكة حكاه الماورديّ . والكُنَّس الغُيَّب مأخوذة من الكِناس ، وهو كِناس الوحش الذي يختفي فيه . قال أَوس بن حَجَر : @ ألم تر أنَّ اللَّهَ أنزلَ مُزْنَهُ وعُفْرُ الظباءِ في الكِناس تَقَمَّعُ @@ وقال طَرَفة : @ كأَنْ كِناسَيْ ضالةٍ يَكْنُفانِها وأَطْرَ قِسِيٍّ تحتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ @@ وقيل : الكُنوس أن تأوي إلى مكانسها ، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحش والظباء . قال الأعشى : @ فلمَّا أتينا الحي أَتْلَعَ أنۤسٌ كما أَتلَعَتْ تحتَ المكانِس رَبْربُ @@ يقال : تَلَع . النهار ٱرتفع وأتلعتِ الظبية من كِناسها : أي سَمَت بجيدها . وقال ٱمرُؤ القيس : @ تَعَشَّى قليلاً ثم أَنحى ظُلُوفه يثِير التراب عن مَبِيتٍ ومَكْنِسِ @@ والكُنَّس : جمع كانِس وكانِسة ، وكذا الخُنَّس جمع خانِس وخانِسة . والجواري : جمع جارية من جرى يجري . { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } قال الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى عسعسَ أدبَر حكاه الجوهريّ . وقال بعض أصحابنا : إنه دنا من أوله وأظلم وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض . المهدويّ . { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } أدبر بظلامه عن ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما . وروي عنهما أيضاً وعن الحسن وغيره : أقبل بظلامه . زيد بن أسلم : « عسعسَ » ذهب . الفرّاء : العرب تقول عسعس وسَعْسَع إذا لم يبق منه إلا اليسير . الخليل وغيره : عسعس الليل إذا أقبل أو أدبر . المبرد : هو من الأضداد ، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد ، وهو ٱبتداء الظلام في أوّله ، وإدباره في آخره وقال علقمة بن قرط : @ حتى إذا الصبحُ لها تنفّسا وٱنجابَ عنها ليلُها وعَسْعَسَا @@ وقال رُؤْبة : @ يا هندُ ما أسرعَ ما تَسَعْسَعَا من بَعْدِ ما كان فَتًى سَرَعْرَعَا @@ وهذه حجة الفراء . وقال ٱمرؤ القيس : @ عَسْعَسَ حتّى لو يشاءُ ٱدَّنا كانَ لنا مِن نارِهِ مَقْبِسُ @@ فهذا يدل على الدنوّ . وقال الحسن ومجاهَد : عَسَعَسَ : أظلم قال الشاعر : @ حتى إذا ما ليلُهن عسعسَا رِكبن مِن حد الظلامِ حِندِسَا @@ الماورديّ : وأصل العسّ الامتلاء ومنه قيل للقدح الكبير عُسّ لامتلائه بما فيه ، فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه وأطلق على إدباره لانتهاء ٱمتلائه على ظلامه لاستكمال ٱمتلائه به . وأما قول ٱمرىء القيس : @ أَلمَّـا على الربـعِ القديم بِعسْعَسَا @@ فموضع بالبادية . وعسعس أيضاً ٱسم رجل قال الرجز : @ وعَسْعَسَ نِعْـمَ الفـتى تبيـاه @@ أي تعتمده . ويقال للذئب العَسْعَس والعَسْعاس والعَسَّاس لأنه يَعُسُّ بالليل ويطلب . ويقال للقنافذ العَسَاعس لكثرة ترددها بالليل . قال أبو عمرو : والتعسعس الشم ، وأنشد : @ كمنخـر الذِّئبِ إذا تَعَسْعَسَـا @@ والتعسعس أيضاً : طلب الصيد بالليل . قوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } أي ٱمتدّ حتى يصير نهاراً واضحاً يقال للنهار إذا زاد : تنفس . وكذلك الموج إذا نضح الماء . ومعنى التنفس : خروج النسيم من الجوف . وقيل : « إِذا تنفس » أي ٱنشق وٱنفلق ومنه تنفست القوس أي تصدعت . { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } هذا جواب القسم . والرسول الكريم جبريل قاله الحسن وقتادة والضحاك . والمعنى « إِنه لقول رسولٍ » عن الله « كرِيم » على الله . وأضاف الكلام إلى جبريل عليه السلام ، ثم عداه عنه بقوله « تنزيل مِن رب العالمِين » ليعلم أهل التحقيق في التصديق ، أن الكلام لله عز وجل . وقيل : هو محمد عليه الصلاة والسلام { ذِي قُوَّةٍ } : من جعله جبريل فقوّته ظاهرة فروى الضحاك عن ٱبن عباس قال : من قوّته قلعه مدائن قوم لُوط بقوادم جناحه . { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ } أي عند الله جل ثناؤه { مَكِينٍ } أي ذي منزلة ومكانة فُروي عن أبي صالح قال : يدخل سبعين سُرادِقاً بغير إذن . { مُّطَاعٍ ثَمَّ } : أي في السموات قال ٱبن عباس : من طاعة الملائكة جبريل ، أنه لما أَسْرِى برسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام لرضوان خازن الجنان : ٱفتح له ، ففتح ، فدخل ورأى ما فيها ، وقال لمالك خازن النار : ٱفتح له جهنم حتى ينظر إليها ، فأطاعه وفتح له . { أَمِينٍ } أي مؤتمن على الوحي الذي يجيء به . ومن قال : إن المراد محمد صلى الله عليه وسلم فالمعنى « ذِي قوةٍ » على تبليغ الرسالة « مُطاعٍ » أي يطيعه من أطاع الله جلّ وعزّ . { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون حتى يتهم في قوله . وهو جواب القسم . وقيل : أراد النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جلّ وعز فقال : ما ذاك إليّ فأذن له الرب جل ثناؤه ، فأتاه وقد سدّ الأفق ، فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه ، فقال المشركون : إنه مجنون ، فنزلت : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } وإنما رأى جبريل على صورته فهابه ، وورد عليه ما لم تحتمل بِنيته ، فخرّ مغشياً عليه .