Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 23-29)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي رأى جبريل في صورته ، له ستمائة جَناح . { بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي بمطلع الشمس من قِبل المَشْرق لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مُبين . أي من جهته تُرَى الأشياء . وقيل : الأفق المبين : أقطار السماء ونواحيها قال الشاعر : @ أَخَذْنا بِآفاقِ السماءِ عليكُمُ لنا قَمراها والنجومُ الطوالِعُ @@ الماورديّ : فعلى هذا ، فيه ثلاثة أقاويل أحدها : أنه رآه في أفق السماء الشرقيّ قاله سفيان . الثاني : في أفق السماء الغربيّ ، حكاه ٱبن شجرة . الثالث : أنه رآه نحو أجياد ، وهو مَشْرق مكة قاله مجاهد . وحكى الثعلبيّ عن ٱبن عباس ، " قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : « إني أحبُّ أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء » قال : لن تقدر على ذلك . قال : « بلى » قال : فأين تشاء أن أتخيل لك ؟ قال : « بالأبطح » قال : لا يسعُني . قال : « فبِمنًى » قال : لا يسعني . قال : « فبعرفات » قال : ذلك بالحرى أن يسعني . فواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للوقت ، فإذا هو قد أقبل بخَشْخَشةٍ وكَلْكلةٍ من جبال عَرَفات ، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه ، فتحول جبريل في صورته ، وضمه إلى صدره . وقال : يا محمد لا تخف فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وإن العرش على كاهله ، وإنه ليتضاءل أحياناً من خشية الله ، حتى يصير مثل الوَصَع يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته " وقيل : إن محمداً عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين . وهو معنى قول ٱبن مسعود . وقد مضى القول في هذا في « والنجم » مستوفًى ، فتأمله هناك . وفي « المبين » قولان : أحدهما أنه صفة الأفق قاله الربيع . الثاني أنه صفة لمن رآه قاله مجاهد . { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } : بالظاء ، قراءة ٱبن كثير وأبي عمرو والكسائيّ ، أي بمتَّهم ، والظنة التُّهمَة قال الشاعر : @ أما وكِتاب اللَّهِ لا عن شناءةٍ هُجِرتُ ولكِنّ الظنِينَ ظَنِينُ @@ وٱختاره أبو عُبيد لأنهم لم يُبَخِّلوه ولكن كذبوه ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا ، ولا يقولون : ما هو على كذا ، إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتَّهم . وقرأ الباقون « بِضَنِينٍ » بالضاد : أي ببخيل من ضَنِنْت بالشيء أضنّ ضِنًّا فهو ضنِين . فروى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يضنّ عليكم بما يعلم ، بل يُعَلِّم الخَلْقَ كلام الله وأحكامه . وقال الشاعر : @ أَجود بِمكنونِ الحديثِ وإننِي بِسِرِّكِ عمن سالنِي لضَنِينُ @@ والغَيْب : القرآن وخبر السماء . ثم هذا صفة محمد عليه السلام . وقيل : صفة جبريل عليه السلام . وقيل : بظَنين : بضعيف . حكاه الفراء والمبرد يقال : رجل ظنِين : أي ضعيف . وبئر ظَنونٌ : إذا كانت قليلة الماء قال الأعشى : @ ما جُعِل الجُدُّ الظَّنونُ الذي جُنِّب صَوْبَ اللجِبِ الماطِرِ مِثلَ الفُراتِيِّ إذا ما طما يقذِف بالبُوصِيِّ والماهِرِ @@ والظَّنون : الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا ؟ ومنه حديث عليّ عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون ، قال : يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقاً . والظَّنون : الرجل السيِّيء الخلق فهو لفظ مشترك . { وَمَا هُوَ } يعني القرآن { بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي مرجوم ملعون ، كما قالت قريش . قال عطاء : يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه . { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } قال قتادة : فإلى أين تعدِلون عن هذا القول وعن طاعته . كذا روَى مَعْمر عن قتادة أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي . وقال الزجاج : فأيّ طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بَيَّنت لكم . ويقال : أين تذهب ؟ وإلى أين تذهب ؟ وحكى الفراء عن العرب : ذهبت الشامَ وخرجت العراقَ وٱنطلقت السوقَ : أي إليها . قال : سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة وأنشد بعض بني عُقَيل : @ تصِيح بنا حنِيفةُ إذْ رأتنا وأيَّ الأرضِ تذهبُ بالصياحِ @@ يريد إلى أي أرض تذهب ، فحذف إلى . وقال الجنيد : معنى الآية مقرون بآية أخرى ، وهي قوله تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } [ الحجر : 21 ] المعنى : أيَّ طريق تسلكون أبينَ من الطريق الذي بينه الله لكم . وهذا معنى قول الزجاج . { إِنْ هُوَ } يعني القرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي مَوْعظة وزَجْر . و « إنْ » بمعنى « ما » . وقيل : ما محمد إلا ذِكر . { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } أي يتبع الحق ويقيم عليه . وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى : لما نزلت { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } قال أبو جهل : الأمر إلينا . إن شئنا ٱستقمنا ، وإن شئنا لم نستقم وهذا هو القَدَر ، وهو رأس القَدَرية فنزلت : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله ، ولا شراً إلا بخذلانه . وقال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها . وقال وهب بن مُنبه : قرأتُ في سبعة وثمانين كتاباً مما أنزل الله على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر . وفي التنزيل : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 111 ] . وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ يونس : 100 ] . وقال تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] والآي في هذا كثير ، وكذلك الأخبار ، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام ، وأضل بالكفر ، كما تقدم في غير موضع . ختمت السورة والحمد لله .