Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى روَى النَّسائي عن ٱبن عباس قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك . قال الفراء : فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا . وعن ٱبن عباس أيضاً قال : هي : أوّل سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة ، وكان هذا فيهم كانوا إذا ٱشتَروا ٱستوْفَوا بكيل راجح ، فإذا باعوا بَخَسوا المكيال والميزان ، فلما نزلت هذه السورة ٱنتهوا ، فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا . وقال قوم : نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة ، وٱسمه عمرو كان له صاعان يأخذ بأحدهما ، ويعطي بالآخر قاله أبو هريرة رضي الله عنه . الثانية قوله تعالى : { وَيْلٌ } أي شدة عذاب في الآخرة . وقال ٱبن عباس : إنه وادٍ في جهنم يسيل فيه صَديد أهل النار ، فهو قول تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } أي الذين يَنْقصون مكاييلهم وموازينهم . ورُوِي عن ٱبن عمر قال : المطفِّف : الرجل يستأجر المكيال وهو يعلم أنه يَحِيف في كيله فوزره عليه . وقال آخرون : التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث . وفي الموطّأ قال مالك : ويقال لكل شيء وفاءٌ وتطفيف . وروي عن سالم بن أبي الجعْد قال : الصلاة بمكيال ، فمن أوفَى له ومن طَفَّف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك : « ويل للِمطففِين » . الثالثة قال أهل اللغة : المطفِّف مأخوذ من الطَّفِيف ، وهو القليل ، والمطفِّف هو المقِلّ حق صاحبه بنقصانه عن الحق ، في كيل أو وزن . وقال الزجاج : إنما قيل للفاعل من هذا مطفِّف لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف ، وإنما أخذ من طَفِّ الشيءِ وهو جانبه . وطِفاف المَكُّوك وطَفافه بالكسر والفتح : ما ملأ أصباره ، وكذلك طَفُّ المَكُّوكِ وطَففُه وفي الحديث : " كلكم بنو آدم طَفَّ الصاعِ لم تملئوه " وهو أن يقرب أن يمتلىء فلا يفعل والمعنى بعضُكم من بعض قريب ، فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى . والطُّفاف والطُّفافة بالضم : ما فوق المكيالِ . وإناء طُفاف : إذا بلغ المِلء طفافه تقول منه : أطفَفْت . والتطفيف : نقص المِكيال وهو ألا تملأه إلى أصباره ، أي جوانبه يقال : أدهقت الكأس إلى أصبارها أي إلى رأسها . وقول ٱبن عمر حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سَبْق الخيل : كنت فارساً يومئذ فسبقت الناس حتى طَفَّف بي الفَرَس مسجدَ بني زُرَيق ، حتى كاد يساوي المسجد . يعني : وثب بي . الرابعة المطفِّف : هو الذي يُخْسر في الكيل والوزن ، ولا يوفي حَسْب ما بيناه وروي ٱبن القاسم عن مالك : أنه قرأ { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فقال : لا تُطَفِّفْ ولا تَخْلُب ، ولكن أرسلْ وصُبّ عليه صَبّاً ، حتى إذا ٱستوفى أرسل يدك ولا تُمْسِك . وقال عبد الملك بن الماجشون : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الطُّفاف ، وقال : إن البركة في رأسه . قال : وبلغني أن كيل فرعون كان مسحاً بالحديد . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } قال الفَراء : أي من الناس يقال : ٱكتلت منك : أي ٱستوفيت منك ، ويقال ٱكتلت ما عليك : أي أخذت ما عليك . وقال الزَّجاج : أي إذا ٱكتالوا من الناس ٱستوفَوا عليهم الكيل والمعنى : الذين إذا ٱستوفوا أخذوا الزيادة ، وإذا أوفَوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا ، فلا يرضَون للناس ما يرضون لأنفسهم . الطبري : « على » بمعنى عند . قوله تعالى : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } . فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } : أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام ، فتعدى الفعل فَنَصب ومثله نصحتك ونصحت لك ، وأمرتك به وأمرتكه قاله الأخفش والفراء . قال الفراء : وسمعت أعرابية تقول إذا صَدَر الناسُ أتينا التاجرَ فيكيلنا المُدّ والمُدّين إلى الموسم المقبل . وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس . قال الزجاج : لا يجوز الوقف على « كالُوا » و « ووزنوا » حتى تصل به « هُمْ » قال : ومن الناس من يجعلها توكيداً ، ويجيز الوقف على « كالُوا » و « وزَنوا » والأوّل الاختيار لأنها حرف واحد . هو قول الكسائيّ . قال أبو عبيد : وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين ، ويقف على « كالوا » و « وزنوا » ويبتدىء « هُمْ يجسِرون » قال : وأحسب قراءة حمزة كذلك أيضاً . قال أبو عبيد : والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين : إحداهما : الخطّ وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف ، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا « كالوا » و « وزنوا » بالألف ، والأخرى : أنه يقال : كِلْتك ووزنتُك بمعنى كلت لك ، ووزنت لك ، وهو كلام عربي كما يقال : صِدْتُك وصِدْت لك ، وكسبتُك وكسبْتُ لَك ، وكذلك شكرتك ونصحتك ونحو ذلك . قوله : { يُخْسِرُونَ } : أي يَنْقُصون والعرب تقول : أخسرت الميزان وخَسَرته . و « هم » في موضع نصب ، على قراءة العامة ، راجع إلى الناس ، تقديره « وإِذا كالوا » الناس « أو وزنوهم يُخْسِرون » وفيه وجهان : أحدهما أن يراد كالوا لهم أو وزنوا لهم ، فحذف الجار ، وأوصل الفعل ، كما قال : @ ولقَدْ جَنَيتُكَ أَكْمُؤًا وعساقِلاً ولقد نهيتُك عن بنات الأَوبرِ @@ أراد : جنيت لك ، والوجه الآخر : أن يكون على حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مُقامه ، والمضاف هو المكيل والموزون . وعن ٱبن عباس رضي الله عنه : إنكم معاشر الأعاجم وَلِيتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم : المِكيالَ والمِيزان . وخَصَّ الأعاجم ، لأنهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعاً ، وكانا مُفرَقين في الحَرَمين كان أهل مكة يزِنون ، وأهل المدينة يكيلون . وعلى القراءة الثانية « هُمْ » في موضع رفع بالابتداء أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم فهم يخسرون . ولا يصح لأنه تكون الأُولى مُلغاة ، ليس لها خبر ، وإنما كانت تستقيم لو كان بعدها : وإذا كالوا هم يَنْقُصون ، أو وزنوا هم يُخْسرون . الثانية قال ٱبن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خمس بخمسٍ : ما نقض قوم العهد إلا سَلَّط الله عليهم عدوّهم ، ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون ، وما طَفَّفوا الكيلَ إلا مُنعوا النَّبات ، وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلا حَبَس الله عنهم المَطَر " خرجه أبو بكر البزار بمعناه ، ومالك بن أنس أيضاً من حديث ٱبن عمر . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وقال مالك بن دينار : دَخَلْت على جارِ لي قد نزل به الموت ، فجعل يقول : جَبَلين من نار ! جبلين من نار ! فقلت : ما تقول ؟ أتهجر ؟ قال : يا أبا يحيى ، كان لي مكيالان ، أكيل بأحدهما ، وأكتال بالآخر فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر ، حتى كَسَرتهما ، فقال : يا أبا يحيى ، كلما ضربت أحدهما بالآخر ٱزداد عِظَماً ، فمات من وجَعه . وقال عكرمة : أشهدُ على كل كَيال أو وزّان أنه في النار . قيل له : فإن ٱبنك كيال أو وزان . فقال : أشهد أنه في النار . قال الأصمعيّ : وسمعت أعرابية تقول : لا تَلْتَمِس المروءة ممن مروءته في رؤوس المكاييل ، ولا ألسنة الموازين . ورُوي ذلك عن عليّ رضي الله عنه ، وقال عبدُ خير : مر عليّ رضي الله عنه على رجل وهو يزن الزعفران وقد أرجح ، فأكفأ الميزان ، ثم قال : أقم الوزن بالقسط ثم أرجح بعد ذلك ما شئت . كأنه أمره بالتسوية أوّلاً ليعتادها ، ويُفضل الواجبَ من النفل . وقال نافع : كان ٱبن عمر يمر بالبائع فيقول : ٱتق الله وأوف الكيل والوزن بالقسط ، فإن المطففين يوم القيامة يوقفون حتى إن العَرَق ليلْجِمُهم إلى أنصاف آذانهم . وقد رُوِي أن أبا هريرة قدم المدينة وقد خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وٱستخلف على المدينة سِباع بن عُرْفُطة ، فقال أبو هريرة : فوجدناه في صلاة الصبح فقرأ في الركعة الأولى « كهيعص » وقرأ في الركعة الثانية « ويل للِمطففِين » قال أبو هريرة : فأقول في صلاتي : ويْل لأبي فلان ، كان له مكيالان إذا اكتال ٱكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالناقص .