Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 4-6)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ } إنكار وتعجيب عظيم من حالهم ، في الاجتراء على التطفيف ، كأنهم لا يُخْطرون التطفيف ببالهم ، ولا يُخَمِّنون تخميناً { أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } فمسؤولون عما يفعلون . والظن هنا بمعنى اليقين أي ألا يُوقن أولئك ، ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والوزن . وقيل : الظن بمعنى التردد ، أي إن كانوا لا يستيقنون بالبعث ، فهلا ظنُّوه ، حتى يتدبروا ويبحثوا عنه ، ويأخذوا بالأحوط { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } شأنه وهو يوم القيامة . قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فيه أربع مسائل : الأولى العامل في « يومَ » فعل مضمر ، دل عليه « مبعوثون » . والمعنى يبعثون « يومَ يقوم الناس لرب العالمين » . ويجوز أن يكون بدلاً من يوم في « لِيومٍ عظِيم » ، وهو مبني . وقيل : هو في موضع خفض لأنه أضيف إلى غير متمكن . وقيل : هو منصوب على الظرف أي في يوم ، ويقال : أقم إلى يومَ يخرج فلان ، فتنصب يوم ، فإن أضافوا إلى الاسم فحينئذ يخفضون ويقولون : أقم إلى يومِ خروج فلان . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، التقدير : إنهم مبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين ليوم عظيم . الثانية وعن عبد الملك بن مروان : أن أعرابياً قال له : قد سمعتَ ما قال الله تعالى في المطففين أراد بذلك أن المطففين قد توجه عليهم هذا الوعيد العظيم الذي سمعت به ، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزْن . وفي هذا الإنكارِ والتعجيبِ وكلمةِ الظن ، ووصفِ اليوم بالعظيم ، وقيامِ الناس فيه لله خاضعين ، ووصفِ ذاته برب العالمين ، بيان بليغ لِعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف ، وفيما كان في مثل حاله من الحيف ، وترك القيام بالقسط ، والعمل على التسوية والعدل ، في كل أخذٍ وإعطاءٍ ، بل في كل قول وعمل . الثالثة قرأ ٱبن عمر : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } حتى بلغ { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فبكى حتى سَقَط ، وٱمتنع من قراءة ما بعده ، ثم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " يومَ يقوم الناس لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فمنهم من يبلغ العَرَق كعبيه ، ومنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من يبلغ حِقْويه ، ومنهم من يبلغ صدره ، ومنهم من يبلغ أذنيه ، حتى إن أحدهم ليغيب في رَشْحه كما يغيب الضِّفدع " ورَوى ناس عن ٱبن عباس قال : يقومون مقدار ثلثمائة سنة . قال : ويهون على المؤمنين قدرُ صلاتهم الفريضة . ورُوي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقومون ألف عام في الظُّلة " ورَوَى مالك عن نافع عن ٱبن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يوم يقوم الناس لرب العالمين ، حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " وعنه أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " يقوم مائة سنة " وقال أبو هريرة قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لبشير الغِفاريّ : " « كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلثمائة سنة لرب العالمين ، لا يأتيهم فيه خبر ، ولا يؤمر فيه بأمر » قال بشير : المستعان الله " . قلت : قد ذكرناه مرفوعاً من حديث أبي سعيد الخدريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه لَيُخَّفف عن المؤمن ، حتى يكون أخفَّ عليه من صلاة المكتوبة يصلّيها في الدنيا " في « سأل سائل » . وعن ٱبن عباس : يَهون على المؤمنين قدرُ صلاتهم الفريضة . وقيل : إن ذلك المقام على المؤمن كزوال الشمس والدليل على هذا من الكتاب قوله الحق : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] ثم وصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ يونس : 63 ] جعلنا الله منهم بفضله وكرمه وجوده . ومنه آمين . وقيل : المراد بالناس جبريل عليه السلام يقوم لرب العالمين قاله ٱبن جُبير . وفيه بُعد لما ذكرنا من الأخبار في ذلك ، وهي صحيحة ثابتة ، وحسُبك بما في صحيح مسلم والبخاريّ والترمذيّ من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم . " يوم يقوم الناس لِرب العالمِين " قال : " يقوم أحدهم في رشْحه إلى نصف أذنيه " ثم قيل : هذا القيام يوم يقومون من قبورهم . وقيل : في الآخرة بحقوق عباده في الدنيا . وقال يزيد الرشك : يقومون بين يديه للقضاء . الرابعة القيام لله رب العالمين سبحانه حَقير بالإضافة إلى عظمته وحقه ، فأما قيام الناس بعضهم لبعض فٱختلَف فيه الناس فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه . وقد رُوي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام إلى جعفر بن أبي طالب وٱعتنقه ، وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تِيب عليه . " وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين طلع عليه سعد بن مُعاذ : « قوموا إلى سيِّدكم » " وقال أيضاً : " من سره أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأْ مقعده من النار " وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيته ، فإن ٱنتظَر ذلك وٱعتقده لنفسه ، فهو ممنوع ، وإن كان على طريق البشاشة والوُصلة فإنه جائز ، وخاصة عند الأسباب ، كالقدوم من السفر ونحوه . وقد مضى في آخر سورة « يوسف » شيء من هذا .