Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 22-28)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } أي أهل الصدق والطاعة . { لَفِي نَعِيمٍ } أي نَعْمة ، والنَّعمة بالفتح : التنعيم يقال : نَعَّمه الله وناعمه فتنعم ، وامرأة منعَّمة ومناعَمة بمعنى . أي إن الأبرار في الجنات يتنعمون . { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } وهي الأسرة في الحجِال { يَنظُرُونَ } أي إلى ما أعدّ الله لهم من الكرامات قاله عكرمة وٱبن عباس ومجاهد . وقال مقاتل : ينظُرون إلى أهل النار . وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ينظرون إلى أعدائهم في النار " ذكره المَهْدَوِيّ . وقيل : على أرائك أفضاله ينظرون إلى وجهه وجلاله . قوله تعالى : { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي بهجته وغضارته ونوره يقال : نضر النبات : إذا ٱزهر ونوّر . وقراءة العامة « تعرِفُ » بفتح التاء وكسر الراء « نَضْرةَ » نصباً أي تعرف يا محمد . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويعقوب وشيبة وٱبن أبي إسحاق : « تُعْرَف » بضم التاء وفتح الراء على الفعل المجهول « نضرة » رفعاً . { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } أي من شراب لا غِش فيه . قاله الأخفش والزجّاج . وقيل ، الرحيق الخمر الصافية . وفي الصحاح : الرحيق صفوة الخمر . والمعنى واحد . الخليل : أصفى الخمر وأجودها . وقال مقاتل وغيره : هي الخمر العتيقة البيضاء الصافية من الغش النيرة ، قال حسان : @ يَسْقون مَنْ وَرَدَ البريصَ علَيْهِمُ بَرَدَى يُصَفَّق بالرِحيقِ السلسلِ @@ وقال آخر : @ أمْ لا سبِيلَ إِلى الشباب وذكره أَشْهى إِلىّ مِن الرحيقِ السَّلْسَلِ @@ { مَّخْتُومٍ } { خِتَامُهُ مِسْكٌ } قال مجاهد : يختم به آخر جُرْعة . وقيل : المعنى إذا شربوا هذا الرحيق ففنى ما في الكأس ، ٱنختم ذلك بخاتم المسْك . وكان ٱبن مسعود يقول : يجدون عاقبتها طعم المسك . ونحوه عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي قالا : ختامه آخر طعمه . وهو حسن لأن سبيل الأشربة أن يكون الكَدَر في آخرها ، فوصف شراب أهل الجنة بأن رائحة آخره رائحة المسك . وعن مسروق عن عبد الله : قال المختوم الممزوج . وقيل : مختوم أي ختمت ومنعت عن أن يمسها ماس إلى أن يَفُكَّ ختامها الأبرار . وقرأ عليّ وعلقمة وشقيق والضحاك وطاوس والكسائي « خاتَمه » بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قاله علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : ٱجعل خاتَمه مسكاً ، قاله الفراء . وفي الصحاح : والخِتام : الطين الذي يُخْتم به . وكذا قال مجاهد وٱبن زيد : خُتم إناؤه بالمسك بدلاً من الطين . حكاه المهدويّ . وقال الفرزدق : @ وبِت أَفُضّ أَغلاق الخِتامِ @@ وقال الأعشى : @ وأبرزها وعليها خَتَمْ @@ أي عليها طينة مختومة مثل نَفْضٍ بمعنى منفوضٍ ، وقَبْضٍ بمعنى مقبوضٍ . وذكر ٱبن المبارك وٱبن وهب ، واللفظ لابن وهب ، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : « خِتامه مِسْك » : خَلْطه ، ليس بخاتم يختم ، ألا ترى إلى قول المرأة من نسائكم : إن خِلْطه من الطِّيب كذا وكذا . إنما خِلْطه مسك قال : شراب أبيض مثل الفضة يختِمون به آخر أشربتهم ، لو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها . وروي أُبَيُّ بن كعب قال : " قيل يا رسول الله ما الرحيق المختوم ؟ قال : « غُدْران الخمر » " وقيل : مختوم في الآنية ، وهو غير الذي يجري في الأنهار . فالله أعلم . { وَفِي ذَلِكَ } أي وفي الذي وصفناه من أمر الجنة { فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } أي فليرغب الراغبون يقال : نَفَسْت عليه الشيء أَنْفسِه نفاسة : أي ضنِنت به ، ولم أحبَّ أن يصير إليه . وقيل : الفاء بمعنى إلى ، أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل نظيره : لِمِثلِ هذا فليعملِ العامِلون » . { وَمِزَاجُهُ } أي ومزاج ذلك الرحيق { مِن تَسْنِيمٍ } وهو شراب ينصبّ عليهم من علوّ ، وهو أشرف شراب في الجنة . وأصل التسنيم في اللغة : الارتفاع ، فهي عين ماء تجري من علو ألى أسفل ومنه سنام البعير لعلوّه من بدنه ، وكذلك تسنيم القبور . وروي عن عبد الله قال : تسنيم عين في الجنة يشرب بها المقرّبون صِرْفاً ، ويمزح منها كأس أصحاب اليمين فتطيب . وقال ٱبن عباس في قوله عز وجل : { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } قال : هذا مما قال الله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] وقيل : التسنيم عين تجري في الهواء بقدرة الله تعالى ، فتنصبُّ في أواني أهل الجنة على قدر مائها ، فإذا ٱمتلأت أمسك الماء ، فلا تقع منه قطرة على الأرض ، ولا يحتاجون إلى الاستقاء قاله قتادة . ٱبن زيد : بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش . وكذا في مراسيل الحسن . وقد ذكرناه في سورة « الإنسان » . { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي يشرب منها أهل جنة عدنٍ ، وهم أفاضل أهل الجنة ، صِرْفاً ، وهي لغيرهم مِزاج . و « عينا » نصب على المدح . وقال الزجاج : نصب على الحال من تسنيم ، وتسنِيم معرفة ، ليس يعرف له ٱشتقاق ، وإن جعلته مصدراً مشتقاً من السنام فـ « ـعينا » نصب لأنه مفعول به كقوله تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [ البلد : 14 - 15 ] وهذا قول الفراء إنه منصوب بتسنيم . وعند الأخفش بـ « ـيُسْقَون » أي يسقون عينا أو من عين . وعند المبرد بإضمار أعني على المدح .