Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-21)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } « كَلاَّ » بمعنى حقاً ، والوقف على « تكذبون » . وقيل أي ليس الأمر كما يقولون ولا كما ظنوا ، بل كتابهم في سجين ، وكتاب المؤمنين في عِليين . وقال مقاتل : كَلاّ ، أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يَصْلَونه . ثم ٱستأنف فقال : « إِن كتاب الأبرارِ » مرفوع في عليين على قدر مرتبتهم . قال ٱبن عباس : أي في الجنة . وعنه أيضاً قال : أعمالهم في كتاب الله في السماء . وقال الضحاك ومجاهد وقتادة : يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين . ورَوَي ٱبن الأجلح عن الضحاك قال : هي سِدْرة المنتهى ، ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها ، فيقولون : رب ! عبدك فلان ، وهو أعلم به منهم ، فيأتيه كتاب من الله عز وجل مختوم بأمانه من العذاب . فذلك قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ } . وعن كعب الأحبار قال : إن روح المؤمن إذا قبضت صُعد بها إلى السماء ، وفُتحت لها أبواب السماء ، وتلقَّتها الملائكة بالبشرى ، ثم يخرجون معها حتى ينتهوا إلى العرش ، فيخرج لهم من تحت العرش ، رَقّ فيرقم ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة ويشهده المقربون . وقال قتادة أيضاً : « فِي عِلييِّن » هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى . وقال البَرَاء بن عازِب قال النبي صلى الله عليه وسلم : " عِلِّيون في السماء السابعة تحت العرش " وعن ٱبن عباس أيضاً : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق بالعرش ، أعمالهم مكتوبة فيه . وقال الفراء : عِليون ٱرتفاع بعد ٱرتفاع . وقيل : عليون أعلى الأمكنة . وقيل : معناه علوّ في علوّ مضاعف ، كأنه لا غاية له ولذلك جمع بالواو والنون . وهو معنى قول الطبريّ . قال الفراء : هو ٱسم موضوع على صفة الجمع ، ولا واحد له من لفظة كقولك : عشرون وثلاثون ، والعرب إذا جمعت جمعاً ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية ، قالوا في المذكر والمؤنث بالنون . وهي معنى قول الطبري . وقال الزجاج : إعراب هذا الأسم كإعراب الجمع ، كما تقول : هذه قِنَّسْرون ، ورأيت قِنسرين . وقال يونس النحوي واحدها : عِليّ وعِلية . وقال أبو الفتح : عِليين : جمع عِليّ ، وهو فِعِّيل من العلوّ . وكان سبيله أن يقول عِلِّية كما قالوا للغرفة عِلِّية لأنها من العلو ، فلما حذف التاء من عِلية عوضوا منها الجمع بالواو والنون ، كما قالوا في أرضين . وقيل : إن عليين صفة للملائكة ، فإنهم الملأ الأعلى كما يقال : فلان في بني فلان أي هو في جملتهم وعندهم . والذي في الخبر من حديث ٱبن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل عِليين لينظرون إلى الجنة من كذا ، فإذا أشرف رجل من أهل عِليين أشرقت الجنة لضياء وجهه ، فيقولون : ما هذا النور ؟ فيقال أشرف رجل من أهل عِليين الأبرار أهل الطاعة والصدق " وفي خبر آخر : " إن أهل الجنة ليرون أهل عِليين كما يُرى الكوكب الدُّرِّيُّ في أفق السماء " يدل على أن عِليين ٱسم الموضع المرتفع . وروى ناس عن ابن عباس في قوله « عِليين » قال : أخبر أن أعمالهم وأرواحهم في السماء الرابعة . ثم قال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } أي ما الذي أعلمك يا محمد أي شيء عليون ؟ على جهة التفخيم والتعظيم له في المنزلة الرفيعة . ثم فسره له فقال : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } . وقيل : إن « كتاب مرقوم » ليس تفسير العِليين ، بل تم الكلام عند قوله « عليون » ثم ابتدأ وقال : « كتاب مرقوم » أي كتاب الأبرار كتاب مرقوم ولهذا عكس الرقم في كتاب الفجار قاله القشيريّ . وروي : أن الملائكة تصعد بعمل العبد فيستقبلِّونهُ فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم : إنكم الحفَظَة على عبدي ، وأنا الرقيب على ما في قلبه ، وإنه أخلص لي عمله ، فاجعلوه في عليين ، فقد غفرت له ، وإنها لتصعد بعمل العبد ، فيتركونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم : أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه ، وإنه لم يخلص لي عمله ، فاجعلوه في سِجِّين . قوله تعالى : { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء من الملائكة . وقال وهب وابن إسحاق : المقربون هنا إسرافيل عليه السلام ، فإذا عمل المؤمن عمل البر ، صَعِدت الملائكة بالصحيفة وله نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض ، حتى ينتهي بها إلى إسرافيل ، فيختم عليها ويكتب فهو قوله : « يشهده المقربون » أي يشهد كتابتهم .