Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 5-8)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ } أي ابن آدم { مِمَّ خُلِقَ } ؟ وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره وسنته الأولى ، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ، ولا يُمْلِي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره . و { مِمَّ خُلِقَ } ؟ استفهام أي من أي شيء خلق ؟ ثم قال : { خُلِقَ } وهو جواب الاستفهام { مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي من المنِيّ . والدّفْق : صب الماء ، دفقت الماء أدفُقُه دفقاً : صببته ، فهو ماء دافق ، أي مدفوق كما قالوا : سِرّ كاتِم : أي مكتوم لأنه من قولك : دُفِق الماء ، على ما لم يُسَمَّ فاعله . ولا يقال : دَفَق الماءُ . ويقال : دفَقَ الله رُوحَه إذا دُعِي عليه بالموت . قال الفراء والأخفش : « من ماءٍ دافِقٍ » أي مصبوب في الرّحِم . الزجاج : من ماء ذي اندفاق . يقال : دارع وفارس ونابل أي ذو فرس ، ودِرع ، ونبل . وهذا مذهب سيبويه . فالدافق هو المندفق بشدّة قوّته . وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة لأن الإنسان مخلوق منهما ، لَكِنْ جعلهما ماء واحداً لامتزاجهما . وعن عكرمة عن ابن عباس : « دافِقٍ » لَزِج . { يَخْرُجُ } أي هذا الماء { مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ } أي الظهر . وفيه لغات أربع : صُلْب ، وصُلُب وقرىء بهما وصَلَب بفتح اللام ، وصالب على وزن قالَب ومنه قول العباس : @ تُـنْقَـلُ مـن صـالَـبٍ إلـى رَحِـمٍ @@ { وَٱلتَّرَآئِبِ } : أي الصدر ، الواحدة : تَرِيبة وهي موضع القِلادة من الصدر . قال : @ مهْفهفة بيضاء غيرُ مُفاضةٍ ترائبُها مصقولةٌ كالسَّجَنْجَلِ @@ والصُّلْب من الرجل ، والترائب من المرأة . قال ابن عباس : الترائب : موضع القلادة . وعنه : ما بين ثدييها وقال عكرمة . ورُوي عنه : يعني ترائب المرأة : اليدين والرجلين والعينين وبه قال الضحاك . وقال سعيد بن جبير : هو الجِيد . مجاهد : هو ما بين المنكِبين والصدر . وعنه : الصِّدَر . وعنه : التراقي . وعن ابن جبير عن ابن عباس : الترائب : أربع أضلاع من هذا الجانب . وحكى الزجاج : أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر ، وأربع أضلاع من يسرة الصدر . وقال معمر بن أبي حبيبة المَدَنيّ : الترائب عُصارة القلب ومنها يكون الولد . والمشهور من كلام العرب : أنها عظام الصدر والنحر . وقال دُريد بن الصمة : @ فإن تدبِروا نأخذكُمُ في ظهورِكُمْ وإن تقبِلوا نأخذكم في الترائب @@ وقال آخر : @ وبدت كأن ترائبا من نحرها جمرُ الغَضَى في ساعدٍ تتوقد @@ وقال آخر : @ والزعفرانُ على ترائِبِها شِرق به اللبات والنحرُ @@ وعن عكرمة : الترائب : الصدر ثم أنشد : @ نِـظـامُ دُرٌ عـلـى تـرائـبـهـا @@ وقال ذو الرمّة : @ ضَـرَجْـن الـبـرود عـن تـرائـب حـرة @@ أي شققن . ويروى « ضرحن » بالحاء أي ألقين . وفي الصحاح : والتريبة : واحدة الترائب ، وهي عظام الصدر ما بين الترقوة والثَّندُوة . قال الشاعر : @ أشـرفَ ثَـديـاهـا علـى الـتَّـرِيـبِ @@ وقال المثقِّب العَبْدِيّ : @ ومِن ذَهَبِ يُسَنّ على تَرِيبٍ كلون العاج ليسَ بذي غُضونِ @@ عن غير الجوهريّ : الثندوة للرجل : بمنزلة الثدي للمرأة . وقال الأصمعيّ : مَغْرِز الثدي . وقال ابن السكيت : هي اللحم حول الثدي إذا ضممت أوّلها همزت ، وإذا فتحت لم تهمز . وفي التفسير : يخلق من ماء الرجل الذي يخرج من صلبه العظم والعصب . ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبها اللحم والدّم وقاله الأعمش . وقد تقدّم مرفوعاً في أوّل سورة آلِ عمران . والحمد لله وفي الحجرات { إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] وقد تقدّم . وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ، ثم يجتمع في الأنثيين . وهذا لا يعارض قوله : « من بين الصلب » لأنه إن نزل من الدماغ ، فإنما يمرّ بين الصلب والترائب . وقال قتادة : المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة . وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب وعليه فيكون معنى من بين الصلب : من الصلب . وقال الحسن : المعنى يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة . ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن ولذلك يُشْبه الرجل والديه كثيراً . وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني . وأيضاً المكثر من الجماع يجد وجعاً في ظهره وصلبه وليس ذلك إلا لخلوّ صلبه عما كان محتبساً من الماء . وروى إسماعيل عن أهل مكة « يخرج من بين الصُّلُب » بضم اللام . ورُوِيت عن عيسى الثقفي . حكاه المهدويّ وقال : من جعل المنِيّ يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، فالضمير في « يخرج » للماء . ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، فالضمير للإنسان . وقرىء « الصَّلَب » ، بفتح الصاد واللام . وفيه أربعُ لغات : صُلْب وصُلُب وصَلَب وصَالَب . قال العَجَّاج : @ فـي صَلَـبٍ مثـلِ الـعِنـان المـؤدَمِ @@ وفي مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم : @ تُنْقَل من صَالَبٍ إلى رَحِمٍ @@ الأبيات مشهورة معروفة . { إِنَّهُ } أي إن الله جل ثناؤه { عَلَىٰ رَجْعِهِ } أي على ردّ الماء في الإحليل ، { لَقَادِرٌ } كذا قال مجاهد والضحاك . وعنهما أيضاً أن المعنى : إنه على رد الماء في الصلب وقاله عكرمة . وعن الضحاك أيضاً أن المعنى : إنه على ردّ الإنسان ماء كما كان لقادر . وعنه أيضاً أن المعنى : إنه على ردّ الإنسان من الكِبَر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الكبر ، لقادر . وكذا في المهدوِيّ . وفي الماوردِيّ والثعلبيّ : إلى الصِّبا ، ومن الصبا إلى النطفة . وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج ، لقادر . وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضاً : إنه على ردّ الإنسان بعد الموت لقادر . وهو اختيار الطبريّ . الثعلبيّ وهو الأقوى لقوله تعالى : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } . قال الماورديّ : ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة لأن الكفار يسألون الله تعالى فيها الرَّجْعة .