Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-28)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه سبع مسائل : الأُولى قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ابتداء وخبر . واختلف العلماء في معنى وصف المشرك بالنّجس فقال قَتادة ومَعْمر بن راشد وغيرهما : لأنه جُنُب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل . وقال ابن عباس وغيره : بل معنى الشرك هو الذي نجسه . قال الحسن البصرِيّ من صافح مشركاً فليتوضأ . والمذهب كله على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا ٱبن عبد الحكم فإنه قال : ليس بواجب لأن الإسلام يهدم ما كان قبله . وبوجوب الغسل عليه قال أبو ثور وأحمد . وأسقطه الشافعيّ وقال : أحبّ إليّ أن يغتسل . ونحوه لابن القاسم . ولمالك قول : إنه لا يعرف الغسل رواه عنه ابن وهب وابن أبي أوَيس . وحديث ثُمامة وقيس بن عاصم يردّ هذه الأقوال . رواهما أبو حاتم البستيّ في صحيح مسنده : و " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بثُمامة يوماً فأسلم ، فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلّى ركعتين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد حَسُن إسلامُ صاحبكم » " وأخرجه مسلم بمعناه . وفيه : أن ثمامة لما منّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل : وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسِدْر . فإن كان إسلامه قُبيل احتلامه فغسله مستحب . ومتى أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوي بغسله الجنابة . هذا قول علمائنا ، وهو تحصيل المذهب . وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهاره للشهادة بلسانه ، إذا اعتقد الإسلام بقلبه وهو قول ضعِيف في النظر مخالف للأثر . وذلك أن أحداً لا يكون بالنيّة مسلماً دون القول . هذا قول جماعة أهل السنة في الإيمان : إنه قول باللسان وتصديق بالقلب ، ويَزْكُو بالعمل . قال الله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] . الثانية قوله تعالى : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } « فَلاَ يَقْرَبُوا » نهي ولذلك حذفت منه النون . « المسجِد الحرام » هذا اللفظ يطلق على جميع الحرَم ، وهو مذهب عطاء فإذاً يُحرم تمكين المشرك من دخول الحَرَم أجمع . فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحِل ليسمع ما يقول . ولو دخل مشرك الحَرَم مستوراً ومات نُبش قبره وأخرجت عظامه . فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز . وأما جزيرة العرب ، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومَخالِيفها ، فقال مالك : يخرج من هذه المواضع كلّ من كان على غير الإسلام ، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين . وكذلك قال الشافعيّ رحمه الله غير أنه ٱستثنى من ذلك اليمنَ . ويُضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضَربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم . ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل . الثالثة واختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال فقال أهل المدينة : الآية عامّة في سائر المشركين وسائر المساجد . وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله ونَزَع في كتابه بهذه الآية . ويؤيّد ذلك قوله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } [ النور : 36 ] . ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها . وفي صحيح مسلم وغيره : " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر " الحديث . والكافر لا يخلو عن ذلك . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا أحلّ المسجد لحائض ولا لجُنُب " والكافر جُنُب . وقوله تعالى : « إنَّمَا المُشْركُونَ نَجَسٌ » فسمّاه الله تعالى نجساً . فلا يخلو أن يكون نجس العين أو مبعداً من طريق الحكم . وأيّ ذلك كان فمنعه من المسجد واجب لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم ، والحرمة موجودة في المسجد . يقال : رجل نَجَس ، وٱمرأة نَجَس ، ورجلان نَجَس ، وٱمرأتان نَجَس ، ورجال نَجَس ، ونساء نَجَس لا يُثَنَّى ولا يُجمَع لأنه مصدر . فأما النِّجْس بكسر النون وجزم الجيم فلا يقال إلا إذا قيل معه رجْس . فإذا أفرد قيل نَجِس بفتح النون وكسر الجيم ونَجُس بضم الجيم . وقال الشافعيّ رحمه الله : الآية عامةٌ في سائر المشركين ، خاصّةٌ في المسجد الحرام ، ولا يمنعون من دخول غيره فأباح دخول اليهوديّ والنصرانيّ في سائر المساجد . قال ابن العربِيّ : وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله عز وجل : { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة . فإن قيل : فقد ربط النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمامة في المسجد وهو مشرك . قيل له : أجاب علماؤنا عن هذا الحديث وإن كان صحيحاً بأجوبة : أحدها أنه كان متقدّماً على نزول الآية . الثاني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه فلذلك ربطه . الثالث أن ذلك قضيّة في عَيْن فلا ينبغي أن تُدفع بها الأدلة التي ذكرناها لكونها مقيِّدة حكم القاعدة الكلية . وقد يمكن أن يقال : إنما ربطه في المسجد لينظر حُسْن صلاة المسلمين وٱجتماعهم عليها ، وحسنَ آدابهم في جلوسهم في المسجد فيستأنس بذلك ويُسلم وكذلك كان . ويمكن أن يقال : إنهم لم يكن لهم موضع يربطونه فيه إلا في المسجد ، والله أعلم . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يُمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره ، ولا يُمنع دخول المسجد الحرام إلا المشركون وأهل الأوثان . وهذا قول يردّه كل ما ذكرناه من الآية وغيرها . قال الكِيَا الطبريّ : ويجوز للذميّ دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة . وقال الشافعيّ : تعتبر الحاجة ، ومع الحاجة لا يجوز دخول المسجد الحرام . وقال عطاء بن أبي رَباح : الحَرَم كله قِبلةٌ ومسجدٌ ، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحَرَم لقوله تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ الأسراء : 1 ] . وإنما رفع من بيت أُمّ هانىء . وقال قتادة : لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزْية ، أو عبداً كافراً لمسلم . وروى إسماعيل بن إسحاق حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا شُريك عن أشعث عن الحسن عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقرب المسجد مشرك إلا أن يكون عبداً أو أَمَّة فيدخله لحاجة " وبهذا قال جابر بن عبد الله فإنه قال : العموم يمنع المشرك عن قربان المسجد الحرام ، وهو مخصوص في العبد والأَمة . الرابعة قوله تعالى : { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } فيه قولان : أحدهما أنه سنة تسع التي حجّ فيها أبو بكر . الثاني سنة عشر قاله قَتادة . ٱبن العربيّ : « وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ ، وإن من العجب أن يقال : إنه سنة تسع ، وهو العامُ الذي وقع فيه الأذان . ولو دخل غلامُ رجلٍ داره يوماً فقال له مولاه : لا تدخل هذه الدار بعد يومك ، لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه » . الخامسة قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } قال عمرو بن فائد : المعنى وإذْ خفتم . وهذه عُجمة ، والمعنى بارع بـ « إن » . وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم ، وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش . فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . قال الضحاك : ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذّمة بقوله عز وجل : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } الآية . وقال عِكْرمة : أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخِصب الأرض . فأخصبت تَبالة وجُرَش ، وحملوا إلى مكة الطعام والوَدَك وكثر الخير . وأسلمت العرب : أهل نجد وصنعاء وغيرهم فتمادى حجهم وتَجْرهم . وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأُمم . والعَيْلة : الفقر . يقال : عال الرجل يعيل إذا افتقر . قال الشاعر : @ وما يَدرِي الفقير متى غَنَاه وما يدرِي الغنيّ متى يَعِيلُ @@ وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود « عائلة » وهو مصدر كالقائلة من قال يقيل . وكالعافية . ويحتمل أن يكون نعتاً لمحذوف تقديره : حالاً عائلة ، ومعناه خصلة شاقة . يقال منه : عالني الأمر يَعُولني : أي شقّ عليّ وٱشتد . وحكى الطّبري أنه يقال : عال يعول إذا افتقر . السادسة في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمنافٍ للتوكل وإن كان الرزق مقدّراً ، وأمر الله وقسمه مفعولاً ، ولكنه علّقه بالأسباب حكمةً ليعلم القلوبَ التي تتعلّق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب . وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل . قال صلى الله عليه وسلم : " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تَغْدُو خِمَاصاً وتروح بِطانا " أخرجه البخاريّ . فأخبر أن التوكل الحقيقيّ لا يضادّه الغدوّ والرواح في طلب الرزق . ابن العربي : « ولكن شيوخ الصوفية قالوا : إنما يغدو ويروح في الطاعات فهو السبب الذي يجلب الرزق » . قالوا : والدليل عليه أمران : أحدهما قوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ } . الثاني قوله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] . فليس يُنزل الرزق من محله وهو السماء ، إلا ما يصعد وهو الذكر الطيب والعمل الصالح ، وليس بالسعي في الأرض فإنه ليس فيها رزق . والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر ، وهو العمل بالأسباب الدنيوية من الحرث والتجارة في الأسواق ، والعمارة للأموال وغرس الثمار . وقد كانت الصحابة تفعل ذلك والنبيّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم . قال أبو الحسن بن بَطّال : أمر الله سبحانه عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا ، إلى غير ذلك من الآي . وقال : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 173 ] . فأحل للمضطر ما كان حَرُم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والاغتذاء به ، ولم يأمره بانتظار طعام ينزل عليه من السماء ، ولو ترك السعي في ترك ما يتغذَّى به لكان لنفسه قاتلاً . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوّى من الجوع ما يجد ما يأكله ، ولم ينزل عليه طعام من السماء ، وكان يدّخر لأهله قوت سنته حتى فتح الله عليه الفتوح . وقد روى أنس بن مالك : " أن رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ببعير فقال : يا رسول الله ، أعقله وأتوكّل أو أطلقه وأتوكّل ؟ قال : « اعقله وتوكّل » " . قلت : ولا حجة لهم في أهل الصُّفَّة فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتّجرون ، ليس لهم كسب ولا مال ، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان ، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقرؤون القرآن بالليل ويصلّون . هكذا وصفهم البخاري وغيره . فكانوا يتسبّبون . وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته هدية أكلها معهم ، وإن كانت صدقة خصّهم بها ، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمّروا كأبي هريرة وغيره وما قعدوا . ثم قيل : الأسباب التي يُطلب بها الرزق ستة أنواع : أعلاها كسب نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم قال : " جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصَّغار على من خالف أمري " خرّجه الترمذيّ وصححه . فجعل الله رزق نبيّه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله ، وخصّه بأفضل أنواع الكسب وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه . الثاني أكل الرجل من عمل يده قال صلى الله عليه وسلم : " إنّ أطيب ما أكل الرجل من عمل يده وإن نبيّ الله داود كان يأكل من عمل يده " خرّجه البخاري . وفي التنزيل { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } ، ورُوي أن عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أُمه . الثالث التجارة ، وهي كانت عمل جُلّ الصحابة رضوان الله عليهم ، وخاصّة المهاجرين وقد دلّ عليها التنزيل في غير موضع . الرابع الحرث والغرس . وقد بيناه في سورة « البقرة » . الخامس إقراء القرآن وتعليمه والرُّقْيَة ، وقد مضى في الفاتحة . السادس يأخذ بنّية الأداء إذا ٱحتاج قال صلى الله عليه وسلم : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " خرّجه البخارِيّ . رواه أبو هريرة رضي الله عنه . السابعة قوله تعالى : { إِن شَآءَ } دليل على أن الرزق ليس بالاجتهاد ، وإنما هو من فضل الله تولّى قسمته بين عباده وذلك بيّنٌ في قوله تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الزخرف : 32 ] الآية .