Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 37-37)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } هكذا يقرأ أكثر الأئمة . قال النحاس : ولم يَرو أحد عن نافع فيما علمناه « إنَّمَا النَّسِيُّ » بلا همز إلا وَرْشٌ وحده . وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره حكى اللغتين الكسائي . الجوهريّ : النّسِيء فعيل بمعنى مفعول من قولك : نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته . ثم يحوّل منسوء إلى نسيء كما يحوّل مقتول إلى قتيل . ورجل ناسىء وقوم نَسَأة ، مثلُ فاسق وفسقة . قال الطبريّ : النسيء بالهمزة معناه الزيادة يقال : نسأ ينسأ إذا زاد . قال : ولا يكون بترك الهمز إلا من النسيان كما قال تعالى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] ، وردّ على نافع قراءته ، واحتجّ بأن قال : إنه يتعدّى بحرف الجر يقال : نسأ الله في أجلك كما تقول زاد الله في أجلك ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " من سَرّه أن يُبْسَط له في رزقه ويُنْسأ له في أَثَره فلْيصل رَحمه " قال الأزهريّ : أنسأت الشيء إنساء ونسيئا اسم وضع موضع المصدر الحقيقيّ . وكانوا يحرّمون القتال في المحرّم ، فإذا احتاجوا إلى ذلك حَرّموا صَفَراً بدله وقاتلوا في المحرّم . وسبب ذلك أن العرب كانت أصحابَ حروب وغارات ، فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها وقالوا : لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نُصيب فيها شيئاً لنهلكنّ . فكانوا إذا صدروا عن مِنًى يقوم من بني كنانة ، ثم من بني فُقَيم منهم رجل يقال له القَلَمّس فيقول أنا الذي لا يُردّ لي قضاء . فيقولون : أنسئنا شهراً ، أي أخّر عنا حُرمة المحرّم واجعلها في صفر فيحلّ لهم المحرّم . فكانوا كذلك شهراً فشهراً حتى ٱستدار التحريم على السَّنة كلها . فقام الإسلام وقد رجع المحرّم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه . وهذا معنى قوله عليه السلام : " إن الزمان قد ٱستدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " وقال مجاهد : كان المشركون يحجّون في كل شهر عامين فحجّوا في ذي الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرّم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجّة أبي بكر التي حجها قبل حجّة الوداع ذا القَعدة من السنة التاسعة . ثم حج النبيّ صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة فذلك قوله في خطبته : " إن الزمان قد ٱستدار " الحديث . أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها ، وعاد الحج إلى ذي الحِجة وبطل النسيء . وقول ثالث . قال إياس بن معاوية : كان المشركون يحسبُون السنة اثني عشر شهراً وخمسة عشر يوماً فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القَعدة ، وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوماً ، فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القَعدة بحكم الاستدارة ، ولم يحج النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر ، ووافق ذلك الأهِلة . وهذا القول أشبه بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن الزمان قد استدار " أي زمان الحج عاد إلى وقته الأصليّ الذي عينه الله يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه ، ونفذ بها حكمه . ثم قال : السنة ٱثنا عشر شهراً . يَنْفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة وهي الخمسة عشر يوماً بتحكمهم فتعيّن الوقت الأصلي وبطل التحكّم الجهليّ . وحكى الإمام المازَريّ عن الخَوَارَزْميّ أنه قال : أوّل ما خلق الله الشمس أجراها في بُرْج الحَمَل ، وكان الزمان الذي أشار به النبيّ صلى الله عليه وسلم صادف حلول الشمس برج الحمل . وهذا يحتاج إلى توقيف فإنه لا يُتوصّل إليه إلا بالنقل عن الأنبياء ، ولا نقل صحيحاً عنهم بذلك ، ومن ادّعاه فلْيُسنده . ثم إن العقل يجوّز خلاف ما قال ، وهو أن يخلق الله الشمس قبل البروج ، ويجوّز أن يخلق ذلك كلّه دَفعة واحدة . ثم إن علماء التعديل قد اختبروا ذلك فوجدوا الشمس في برج الحوت وقت قوله عليه السلام : " إن الزمان قد استدار " بينها وبين الحَمَل عشرون درجة . ومنهم من قال عشر درجات . والله أعلم . واختلف أهل التأويل في أوّل من نسأ فقال ابن عباس وقَتادة والضحاك : بنو مالك بنِ كنانة ، وكانوا ثلاثة . وروى جُوَيْبِر عن الضحاك عن ابن عباس أن أوّل من فعل ذلك عمرو بن لُحَيّ بن قَمعة بن خِنْدِف . وقال الكلبيّ : أوّل من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة ، ثم كان بعده رجل يقال له : جُنادة ابن عوف ، وهو الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الزُّهريّ : حيّ من بني كِنانة ثم من بني فُقَيم منهم رجل يقال له القَلَمّس ، واسمه حذيفة بن عبيد . وفي رواية : مالك بن كنانة . وكان الذي يلي النّسيء يظفر بالرياسة لتريّس العرب إياه . وفي ذلك يقول شاعرهم : @ ومنّا ناسِىءُ الشهرِ القَلَمّسْ @@ وقال الكُمَيْت : @ ألسنا الناسئين على مَعَدٍّ شهورَ الحِلّ نجعلها حرامَا @@ قوله تعالى : { زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } بيان لما فعلته العرب من جمعها من أنواع الكفر فإنها أنكرت وجود البارىء تعالى فقالت : { وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } في أصح الوجوه . وأنكرت البعث فقالت : { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ ياسين : 78 ] . وأنكرت بعثة الرسل فقالوا : { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } [ القمر : 24 ] . وزعمت أن التحليل والتحريم إليها ، فابتدعته من ذاتها مقتفيةً لشهواتها فأحلّت ما حرّم الله . ولا مبدّل لكلماته ولو كره المشركون . قوله تعالى : { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } فيه ثلاث قراءات . قرأ أهل الحَرَمين وأبو عمرو « يَضِل » وقرأ الكوفيون « يُضَل » على الفعل المجهول . وقرأ الحسن وأبو رجاء « يُضِل » . والقراءات الثلاث كل واحدة منها تؤدّي عن معنى إلا أن القراءة الثالثة حذف منها المفعول . والتقدير : ويضِل به الذين كفروا مَن يقبل منهم . و { ٱلَّذِينَ } في محل رفع . ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى الله عز وجل . التقدير : يضل الله به الذين كفروا كقوله تعالى : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } [ الرعد : 27 ] ، وكقوله في آخر الآية : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } . والقراءة الثانية « يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا » يعني المحسوب لهم واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله تعالى : « زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ » . والقراءة الأُولى اختارها أبو حاتم لأنهم كانوا ضالين به ، أي بالنسيء لأنهم كانوا يحسبونه فيضِلون به . والهاء في « يحِلُّونه » ترجع إلى النسيء . وروي عن أبي رجاء « يَضَل » بفتح الياء والضاد . وهي لغة يقال : ضَلِلت أضَل ، وضَلَلت أضِل . { لِّيُوَاطِئُواْ } نصب بلام كَيْ أي ليوافقوا . تواطأ القوم على كذا أي ٱجتمعوا عليه أي لم يُحلّوا شهراً إلا حرموا شهراً لتبقى الأشهر الحرم أربعة . وهذا هو الصحيح ، لا ما يذكر أنهم جعلوا الأشهر خمسة . قال قتادة : إنهم عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحُرُم ، وقرنوه بالمحرّم في التحريم وقاله عنه قُطْرُبْ والطبري . وعليه يكون النسيء بمعنى الزيادة . والله أعلم .