Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 39-39)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألة واحدة وهو أن قوله تعالىٰ : { إِلاَّ تَنفِرُواْ } شرط فلذلك حذفت منه النون . والجواب « يُعَذِّبْكُمْ » ، « وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » وهذا تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفِير . قال ابن العربيّ : ومن محققات الأُصول أن الأمر إذا ورد فليس في وروده أكثر من اقتضاء الفعل . فأما العقاب عند الترك فلا يؤخذ من نفس الأمر ولا يقتضيه الاقتضاء ، وإنما يكون العقاب بالخبر عنه كقوله : إن لم تفعل كذا عذبتك بكذا كما ورد في هذه الآية . فوجب بمقتضاها النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا . روى أبو داود عن ابن عباس قال : { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } و { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } إلى قوله { يَعْمَلُونَ } نسختها الآية التي تليها : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } . وهو قول الضحاك والحسن وعِكرَمة . { يُعَذِّبْكُمْ } قال ابن عباس : هو حبس المطر عنهم . قال ابن العربِيّ : فإن صحّ ذلك عنه فهو أعلم من أين قاله ، وإلاَّ فالعذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدوّ وبالنار في الآخرة . قلت : قول ابن عباس خرّجه الإمام أبو داود في سننه عن ابن نُفيع قال : سألت ابن عباس عن هذه الآية { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } قال : فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم . وذكره الإمام أبو محمد بن عطية مرفوعاً عن ابن عباس قال : استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة من القبائل فقعدت ، فأمسك الله عنهم المطر وعذبها به . و « أليم » بمعنى مؤلم أي موجع . وقد تقدّم . { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } توعّدٌ بأن يبدّل لرسوله قوماً لا يقعدون عند استنفاره إياهم . قيل : أبناء فارس . وقيل : أهل اليمن . { وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً } عطف . والهاء قيل لله تعالىٰ : وقيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم . والتثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهة حرام على كل أحد . فأما من غير كراهة فَمن عيّنه النبيّ صلى الله عليه وسلم حَرُم عليه التثاقل وإن أمن منهما فالفرض فرض كفاية ذكره القشيرِيّ . وقد قيل : إن المراد بهذه الآية وجوب النفير عند الحاجة وظهورِ الكفرة واشتداد شوكتهم . وظاهر الآية يدل على أن ذلك على وجه الاستدعاء فعلى هذا لا يتّجه الحمل على وقت ظهور المشركين فإن وجوب ذلك لا يختص بالاستدعاء ، لأنه متعيّن . وإذا ثبت ذلك فالاستدعاء والاستنفار يبعد أن يكون موجبا شيئاً لم يجب من قبل إلاَّ أن الإمام إذا عيّن قوماً وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أن يتثاقلوا عند التعيين ، ويصير بتعيينه فرضاً على من عيّنه لا لمكان الجهاد ولكن لطاعة الإمام . والله أعلم .